أبويه فيقيض الله تعالى طيرا صغارا كالبرغش فيغشاه فيتقوت به تلك الأيام حتى يسود ريشه والأبوان يتفقدانه كل وقت فكلما رأوه أبيض الريش نفرا عنه فإذا رأوه اسود ريشه عطفا عليه بالحضانة والرزق ولهذا قال الشاعر.
يا رازق النعاب في عشه * وجابر العظم الكسير المهيض وقد قال الشافعي في جملة كلام له في الأوامر كقول النبي صلى الله عليه وسلم " سافروا تصحوا وترزقوا " قال البيهقي أخبرنا إملاء أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد ان أخبرنا أحمد بن عبيد أخبرنا محمد بن غالب حدثني محمد بن سنان أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن يزداد شيخ من أهل المدينة حدثنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سافروا تصحوا وتغنموا " قال ورويناه عن ابن عباس وقال الإمام أحمد حدثنا قبيصة أخبرنا ابن لهيعة عن دراج عن عبد الرحمن بن حجير عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سافروا تربحوا وصوموا تصحوا واغزوا تغنموا " وقد ورد مثل حديث ابن عمر عن ابن عباس مرفوعا وعن معاذ بن جبل موقوفا وفي لفظ " سافروا مع ذوي الجد والميسرة " قال ورويناه عن ابن عباس وقوله (وهو السميع العليم) أي السميع لأقوال عباده العليم بحركاتهم وسكناتهم.
ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنا يؤفكون (61) الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شئ عليم (62) ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون (63) يقول تعالى مقررا أنه لا إله إلا هو لان المشركين الذين يعبدون معه غير معترفون بأنه المستقل بخلق السماوات والأرض والشمس والقمر وتسخير الليل والنهار وأنه الخالق الرازق لعباده ومقدر آجالهم واختلافها واختلاف أرزاقهم.
فتفاوت بينهم فمنهم الغني والفقير وهو العليم بما يصلح كلا منهم ومن يستحق الغنى ممن يستحق الفقر فذكر أنه المستقل بخلق الأشياء المنفرد بتدبيرها فإذا كان الامر كذلك فلم يعبد غيره؟ ولم يتوكل على غيره؟ فكما أنه الواحد في ملكه فليكن الواحد في عبادته وكثيرا ما يقرر تعالى مقام الإلهية بالاعتراف بتوحيد الربوبية وقد كان المشركون يعترفون بذلك كما كانوا يقولون في تلبيتهم لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك.
وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون (64) فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون (65) ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون (66) يقول تعالى مقررا أنه لا إله إلا هو لان المشركين الذين يعبدون معه غيره معترفون بأنه المستقل بخلق السماوات والأرض الحيوان) أي الحياة الدائمة الحق الذي لا زوال له ولا انقضاء بل هي مستمرة أبد الآباد وقوله تعالى (لو كانوا يعلمون) أي لآثروا ما يبقى على ما يفنى ثم أخبر تعالى عن المشركين أنهم عند الاضطرار يدعونه وحده لا شريك له فهلا يكون هذا منهم دائما (فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين) كقوله تعالى (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم) الآية وقال ههنا (فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون) وقد ذكر محمد بن إسحاق عن عكرمة بن أبي جهل أنه لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ذهب فارا منها فلما ركب في البحر ليذهب إلى الحبشة اضطربت بهم السفينة فقال أهلها يا قوم أخلصوا لربكم الدعاء فإنه لا ينجي ههنا إلا هو فقال عكرمة والله لئن كان لا ينجي في البحر غيره فإنه لا ينجي في البر أيضا غيره اللهم لك علي عهد لئن خرجت لا ذهبن فلأضعن يدي في يد محمد فلأجدنه رؤوفا رحيما فكان كذلك وقوله تعالى (ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا) هذه اللام يسميها كثير من أهل العربية والتفسير وعلماء الأصول لام العاقبة لانهم لا يقصدون ذلك ولا شك أنها كذلك بالنسبة إليهم وأما بالنسبة إلى تقدير الله عليهم ذلك وتقييضه إياهم لذلك فهي لام التعليل وقد قدمنا تقرير ذلك في قوله (ليكون لهم عدوا وحزنا).