ناس كثير. هكذا ساقه الترمذي ثم قال هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد وقد روي نحو هذا مرسلا عن جماعة من التابعين مثل عكرمة والشعبي ومجاهد وقتادة والسدي والزهري وغيرهم ومن أغرب هذه السياقات ما رواه الامام سنيد بن داود في تفسيره حيث قال حدثني حجاج عن أبي بكر عن عكرمة قال: كان في فارس امرأة لا تلد إلا الملوك والابطال فدعاها كسرى فقال إني أريد أن أبعث إلى الروم جيشا وأستعمل عليه رجلا من بنيك فأشيري علي أيهم أستعمل؟ فقالت هذا فلان وهو أروغ من ثعلب وأحذر من صقر وهذا فرخان وهو أنفذ من سنان وهذا شهريراز وهو أحلم من كذا تعني أولادها الثلاثة فاستعمل أيهم شئت قال فإني استعملت الحليم فاستعمل شهريراز فسار إلى الروم بأهل فارس فظهر عليهم فقتلهم وخرب مدائنهم وقطع زيتونهم قال أبو بكر بن عبد الله فحدث بهذا الحديث عطاء الخراساني فقال أما رأيت بلاد الشام؟ قلت لا قال أما إنك لو رأيتها لرأيت المدائن التي خربت والزيتون الذي قطع فأتيت الشام بعد ذلك فرأيته قال عطاء الخراساني حدثني يحيى بن يعمر أن قيصر بعث رجلا يدعى قطمة بجيش من الروم وبعث كسرى شهريراز فالتقيا بين أذرعات وبصرى وهي أدنى الشام إليكم فلقيت فارس الروم فغلبتهم فارس ففرحت بذلك كفار قريش وكرهه المسلمون قال عكرمة: ولقي المشركون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب ونحن أميون وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم فأنزل الله تعالى: (ألم * غلبت الروم في أدنى الأرض - إلى قوله - ينصر من يشاء) فخرج أبو بكر الصديق إلى الكفار فقال: أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا فلا تفرحوا ولا يقرن الله أعينكم فوالله ليظهرن الله الروم على فارس أخبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم فقام إليه أبي بن خلف فقال كذبت يا أبا فضيل فقال له أبو بكر: أنت أكذب يا عدو الله فقال أناحبك عشر قلائص مني وعشر قلائص منك فإن ظهرت الروم على فارس غرمت وإن ظهرت فارس غرمت إلى ثلاث سنين ثم جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: " ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزايده في الخطر وماده في الاجل " فخرج أبو بكر فلقي أبيا فقال لعلك ندمت؟ فقال لا تعال أزايدك في الخطر وأمادك في الاجل فاجعلها مائة قلوص إلى تسع سنين قال قد فعلت فظهرت الروم على فارس قبل ذلك فغلبهم المسلمون. قال عكرمة لما أن ظهرت فارس على الروم جلس فرخان يشرب وهو أخو شهريراز فقال لأصحابه لقد رأيت كأني جالس على سرير كسرى فبلغت كسرى فكتب كسرى إلى شهريراز إذا أتاك كتابي فابعث إلي برأس فرخان فكتب إليه شهريراز أيها الملك إنك لن تجد مثل فرخان له نكاية وصوت في العدو فلا تفعل فكتب إليه إن في رجال فارس خلفا منه فعجل إلي برأسه. فراجعه فغضب كسرى فلم يجبه وبعث بريدا إلى أهل فارس إني قد نزعت عنكم شهريراز واستعملت عليكم فرخان ثم رفع إلى البريد صحيفة لطيفة صغيرة فقال إذا ولى فرخان الملك وانقاد له أخوه فأعطه هذه فلما قرأ شهريراز الكتاب قال سمعا وطاعة ونزل عن سريره وجلس عليه فرخان ورفع إليه الصحيفة اللطيفة فلما قرأها قال ائتوني بشهريراز وقدمه ليضرب عنقه فقال شهريراز لا تعجل حتى أكتب وصيتي قال نعم فدعا بالسفط فأعطاه الصحائف فقال كل هذا راجعت فيك كسرى وأنت أردت أن تقتلني بكتاب واحد فرد الملك إلى أخيه شهريراز وكتب شهريراز إلى قيصر ملك الروم إن لي إليك حاجة لا تحملها البرد ولا تحملها الصحف فالقني ولا تلقني إلا في خمسين روميا فإني لا ألقاك إلا في خمسين فارسيا. فأقبل قيصر في خمسمائة رومي وجعل يضع العيون بين يديه في الطريق وخاف أن يكون قد مكر به حتى أتاه عيونه بأنه ليس معه إلا خمسون رجلا ثم بسط لهما والتقيا في قبة ديباج ضربت لهما مع كل واحد منهما سكين فدعيا ترجمانا بينهما فقال شهريراز إن الذين خربوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا وإن كسرى حسدنا وأراد أن أقتل أخي فأبيت ثم أمر أخي أن يقتلني فقد خلعنا جميعا فنحن نقاتله معك. قال قد أصبتما ثم أشار أحدهما إلى صاحبه أن السر بين اثنين فإذا جاوز اثنين فشا قال أجل فقتلا الترجمان جميعا بسكينيهما فأهلك الله كسرى وجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ففرح والمسلمون معه. فهذا سياق غريب وبناء عجيب. ولنتكلم على كلمات هذه الآيات الكريمات فقوله تعالى: (ألم * غلبت الروم) قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور في أول سورة البقرة وأما الروم فهم من سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم وهم أبناء عم بني إسرائيل
(٤٣٤)