ولقد آتينا موسى الكتب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون (43) يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله موسى الكليم عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم من إنزال التوراة عليه بعدما أهلك فرعون وملاه. وقوله تعالى: (من بعد ما أهلكنا القرون الأولى) يعني أنه بعد إنزال التوراة لم يعذب أمة بعامة بل أمر المؤمنين أن يقاتلوا أعداء الله من المشركين كما قال تعالى: (وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة * فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية) وقال ابن جرير حدثنا ابن بشار حدثنا محمد بن عبد الوهاب قالا حدثنا عوف عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال ما أهلك الله قوما بعذاب من السماء ولا من الأرض بعدما أنزلت التوراة على وجه الأرض غير أهل القرية الذين مسخوا قردة بعد موسى ثم قرأ (ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى) الآية ورواه ابن أبي حاتم من حديث عوف بن أبي حبيبة الاعرابي بنحوه وهكذا رواه أبو بكر البزار في مسنده عن عمرو بن علي الفلاس عن يحيى القطان عن عوف عن أبي نضرة عن أبي سعيد موقوفا ثم رواه عن نصر بن علي عن عبد الاعلى عن عوف عن أبي نضرة عن أبي سعيد رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما أهلك الله قوما بعذاب من السماء ولا من الأرض إلا قبل موسى " ثم قرأ: (ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى) الآية.
وقوله: (بصائر للناس وهدى ورحمة) أي من العمى والغي وهدى إلى الحق ورحمة أي إرشادا إلى العمل الصالح (لعلهم يتذكرون) أي لعل الناس يتذكرون به ويهتدون بسببه.
وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الامر وما كنت من الشاهدين (44) ولكنا أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلوا عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين (45) وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما أتيهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون (46) ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين (47) يقول تعالى منبها على برهان نبوة محمد صلى الله عليه وسلم حيث أخبر بالغيوب الماضية خبرا كأن سامعه شاهد وراء لما تقدم وهو رجل أمي لا يقرأ شيئا من الكتب نشأ بين قوم لا يعرفون شيئا من ذلك كما أنه لما أخبره عن مريم وما كان من أمرها قال تعالى: (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون) الآية أي وما كنت حاضرا لذلك ولكن الله أوحاه إليك وهكذا لما أخبره عن نوح وقومه وما كان من إنجاء الله له وإغراق قومه ثم قال تعالى:
(تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين) الآية وقال في آخر السورة (ذلك من أنباء القرى نقصه عليك) وقال بعد ذكر قصة يوسف (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون) الآية وقال في سورة طه (كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق) الآية وقال ههنا بعدما أخبر عن قصة موسى من أولها إلى آخرها وكيف كان ابتداء إيحاء الله إليه وتكليمه له (وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الامر) يعني ما كنت يا محمد بجانب الجبل الغربي الذي كلم الله موسى من الشجرة التي هي شرقية على شاطئ الوادي (وما كنت من الشاهدين) لذلك ولكن الله سبحانه وتعالى أوحى إليك ذلك ليكون حجة وبرهانا على قرون قد تطاول عهدها ونسوا حجج الله عليهم وما أوحاه إلى الأنبياء المتقدمين وقوله تعالى: (وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلوا عليهم آياتنا) أي وما كنت مقيما في أهل مدين تتلوا عليهم آياتنا حين أخبرت عن نبيها شعيب وما قال لقومه وما ردوا عليه (ولكنا كنا مرسلين) أي ولكن نحن أوحينا إليك ذلك وأرسلناك إلى الناس رسولا.
(وما كنت بجانب الطور إذ نادينا) قال أبو عبد الرحمن النسائي في التفسير من سننه أخبرنا علي بن حجر أخبرنا عيسى بن يونس عن حمزة الزيات عن الأعمشي عن علي بن مدرك عن أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه (وما