أحد ذلك على سبيل الاقتداء فوضع يده على فؤاده فإنه يزول عنه ما يجده أو يخف إن شاء الله تعالى وبه الثقة. قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا الربيع بن تغلب الشيخ صالح أخبرنا أبو إسماعيل المؤدب عن عبد الله بن مسلم عن مجاهد قال: كان موسى عليه السلام قد ملئ قلبه رعبا من فرعون فكان إذا رآه قال: اللهم إني أدرأ بك في نحره وأعوذ بك من شره فنزع الله ما كان في قلب موسى عليه السلام وجعله في قلب فرعون فكان إذا رآه بال كما يبول الحمار. وقوله تعالى: (فذانك برهانان من ربك) يعني إلقاء العصا وجعلها حية تسعى وإدخاله يده في جيبه فتخرج بيضاء من غير سوء دليلان قاطعان واضحان على قدرة الفاعل المختار وصحة نبوة من جرى هذا الخارق على يديه ولهذا قال تعالى: (إلى فرعون وملئه) أي وقومه من الرؤساء والكبراء والاتباع (إنهم كانوا قوما فاسقين) أي خارجين عن طاعة الله مخالفين لامره ودينه.
قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون (33) وأخي هارون هو أفصح منى لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون (34) قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطنا فلا يصلون اليكما بآياتنا أنتما ومن أتبعكما الغالبون (35) لما أمره الله تعالى بالذهاب إلى فرعون الذي إنما خرج من ديار مصر فرارا منه وخوفا من سطوته (قال رب إني قتلت منهم نفسا) يعني ذلك القبطي (فأخاف أن يقتلون) أي إذا رأوني (وأخي هارون هو أفصح مني لسانا) وذلك أن موسى عليه السلام كان في لسانه لثغة بسبب ما كان تناول تلك الجمرة حين خير بينها وبين التمرة أو الدرة فأخذ الجمرة فوضعها على لسانه فحصل فيه شدة في التعبير ولهذا قال: (واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي * واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري) أي يؤنسني فيما أمرتني به من هذا المقام العظيم وهو القيام بأعباء النبوة والرسالة إلى هذا الملك المتكبر الجبار العنيد ولهذا قال: (وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا) أي وزيرا ومعينا ومقويا لامري يصدقني فيما أقوله وأخبر به عن الله عز وجل لان خبر الاثنين أنجع في النفوس من خبر الواحد ولهذا قال: (إني أخاف أن يكذبون) وقال محمد بن إسحاق (ردءا يصدقني) أي يبين لهم عني ما أكلمهم به فإنه يفهم عني ما لا يفهمون فلما سأل ذلك موسى قال الله تعالى: (سنشد عضدك بأخيك) أي سنقوي أمرك ونعز جانبك بأخيك الذي سألت له أن يكون نبيا معك كما في الآية الأخرى (قد أوتيت سؤلك يا موسى) وقال تعالى: (ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا) ولهذا قال بعض السلف ليس أحد أعظم منة على أخيه من موسى على هارون عليهما السلام فإنه شفع فيه حتى جعله الله نبيا ورسولا معه إلى فرعون وملئه ولهذا قال تعالى في حق موسى (وكان عند الله وجيها) وقوله تعالى: (ونجعل لكما سلطانا) أي حجة قاهرة (فلا يصلون إليكما بآياتنا) أي لا سبيل لهم إلى الوصول إلى أذاكما بسبب إبلاغكما آيات الله كما قال تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك - إلى قوله - والله يعصمك من الناس) وقال تعالى: (الذين يبلغون رسالات الله - إلى قوله وكفى بالله حسيبا) أي وكفى بالله ناصرا ومعينا ومؤيدا ولهذا أخبرهما أن العاقبة لهما ولمن اتبعهما في الدنيا والآخرة فقال تعالى: (أنتما ومن أتبعكما الغالبون) كما قال تعالى: (كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز) وقال تعالى: (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا) إلى آخر الآية ووجه ابن جرير على أن المعنى ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما ثم يبتدئ فيقول: (بآياتنا أنتما ومن أتبعكما الغالبون) تقديره أنتما ومن أتبعكما الغالبون بآياتنا ولا شك أن هذا المعنى صحيح وهو حاصل من التوجيه الأول فلا حاجة إلى هذا والله أعلم.
فلما جاءهم موسى بآياتنا بينت قالوا ما هذا إلا سحر مفترى وما سمعنا بهذا فئ ابائنا الأولين (36) وقال موسى ربى أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون (37)