زمانهم هذا وقد سلط عليهم هذا الملك الجبار العتيد أيستعملهم في أخس الأعمال ويكدهم ليلا ونهارا في أشغاله وأشغال رعيته ويقتل مع هذا أبناءهم ويستحيي نساءهم إهانة لهم واحتقارا وخوفا من أن يوجد منهم الغلام الذي كان قد تخوف هو وأهل مملكته منه أن يوجد منهم غلام يكون سبب هلاكه وذهاب دولته على يديه. وكانت القبط قد تلقوا هذا من بني إسرائيل فيما كانوا يدرسونه من قول إبراهيم الخليل عليه السلام حين ورد الديار المصرية وجرى له مع جبارها ما جرى حين أخذ سارة ليتخذها جارية فصانها الله منه ومنعه منها بقدرته وسلطانه فبشر إبراهيم عليه السلام ولده أنه سيولد من صلبه وذريته من يكون هلاك مصر على يديه فكانت القبط تحدث بهذا عند فرعون فاحترز فرعون من ذلك وأمر بقتل ذكور بني إسرائيل ولن ينفع حذر من قدر لان أجل الله إذا جاء لا يؤخر ولكل أجل كتاب. ولهذا قال تعالى: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض - إلى قوله - يحذرون) وقد فعل تعالى ذلك بهم كما قال تعالى: (وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون - إلى قوله - يعرشون) وقال تعالى: (كذلك وأورثناها بني إسرائيل) أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسى فما نفعه من ذلك مع قدرة الملك العظيم الذي لا يخالف أمره القدري ولا يغلب بل نفذ حكمه وجرى قلمه في القدم بأن يكون هلاك فرعون على يديه بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده وقتلت بسببه ألوفا من الولدان إنما منشؤه ومرباه على فراشك وفي دارك وغذاؤه من طعامك وأنت تربيه وتدلله وتتفداه وحتفك وهلاكك وهلاك جنودك على يديه لتعلم أن رب السماوات العلا هو القاهر الغالب العظيم القوي العزيز الشديد المحال الذي ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين (7) فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين (8) وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون (9) ذكروا أن فرعون لما أكثر من قتل ذكور بني إسرائيل خافت القبط أن يفني بني إسرائيل فيلونهم ما كانوا يلونه من الأعمال الشاقة فقالوا لفرعون إنه يوشك إن استمر هذا الحال أن يموت شيوخهم وغلمانهم يقتلون ونساؤهم لا يمكن أن تقمن بما تقوم به رجالهم من الأعمال فيخلص إلينا ذلك فأمر بقتل الولدان عاما وتركهم عاما، فولد هارون عليه السلام في السنة التي يتركون فيها الولدان وولد موسى في السنة التي يقتلون فيها الولدان وكان لفرعون ناس موكلون بذلك وقوابل يدورون على النساء فمن رأينها قد حملت أحصوا اسمها فإذا كان وقت ولادتها لا يقبلها إلا نساء القبط فإن ولدت المرأة جارية تركنها وذهبن وإن ولدت غلاما دخل أولئك الذباحون بأيديهم الشفار المرهفة فقتلوه ومضوا قبحهم الله تعالى. فلما حملت أم موسى به عليه السلام لم يظهر عليها مخايل الحمل كغيرها ولم تفطن لها الدايات ولكن لما وضعته ذكرا ضاقت به ذرعا وخافت عليه خوفا شديدا وأحبته حبا زائدا وكان موسى عليه السلام لا يراه أحد إلا أحبه فالسعيد من أحبه طبعا وشرعا قال الله تعالى: (وألقيت عليك محبة مني) فلما ضاقت به ذرعا ألهمت في سرها وألقي في خلدها وأنفث في روعها كما قال تعالى: (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) وذلك أنه كانت دارها على حافة النيل فاتخذت تابوتا ومهدت فيه مهدا وجعلت ترضع ولدها فإذا دخل عليها أحد ممن تخافه ذهبت فوضعته في ذلك التابوت وسيرته في البحر وربطته بحبل عندها فلما كان ذات يوم دخل عليها من تخافه فذهبت فوضعته في ذلك التابوت وأرسلته في البحر وذهلت أن تربطه فذهب مع الماء واحتمله حتى مر به على دار فرعون فالتقطه الجواري فاحتملنه فذهبن به إلى امرأة فرعون ولا يدرين ما فيه وخشين أن يفتتن عليها في فتحه دونها فلما كشفت عنه إذا هو غلام من أحسن الخلق وأجمله وأحلاه وأبهاه فأوقع الله محبته في قلبها حين نظرت إليه وذلك لسعادتها وما أراد الله من كرامتها وشقاوة بعلها. ولهذا قال : (فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا) الآية قال محمد بن إسحاق وغيره اللام هنا لام العاقبة لا لام التعليل لانهم