فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بئسما قلت أما كنت تقرأ هذه الآية؟ " (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر - إلى قوله - إلا من تاب) الآية فقرأتها عليها فخرت ساجدة وقالت الحمد لله الذي جعل لي مخرجا هذا حديث غريب من هذا الوجه وفي رجاله من لا يعرف والله أعلم، وقد رواه ابن جرير من حديث إبراهيم بن المنذر الحزامي بسنده بنحوه وعنده فخرجت تدعو بالحسرة وتقول يا حسرتا أخلق هذا الحسن للنار؟ وعنده أنه لما رجع من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلبها في جميع دور المدينة فلم يجدها فلما كان من الليلة المقبلة جاءته فأخبرها بما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرت ساجدة وقالت الحمد لله الذي جعل لي مخرجا وتوبة مما عملت وأعتقت جارية كانت معها وابنتها وتابت إلى الله عز وجل ثم قال تعالى مخبرا عن عموم رحمته بعباده وأنه من تاب إليه منهم تاب عليه من أي ذنب كان جليلا أو حقيرا كبيرا أو صغيرا فقال تعالى (ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا) أي فإن الله يقبل توبته كما قال تعالى (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه) الآية وقال تعالى (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده) الآية وقال تعالى (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله) الآية أي لمن تاب إليه.
والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما (72) والذين إذا ذكروا بأيت ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا (73) والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذريتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما (74) وهذه أيضا من صفات عباد الرحمن أنهم لا يشهدون الزور قيل هو الشرك وعبادة الأصنام وقيل الكذب والفسق والكفر واللغو والباطل وقال محمد بن الحنفية هو اللغو والغناء وقال أبو العالية وطاوس وابن سيرين والضحاك والربيع بن أنس وغيرهم هو أعياد المشركين. وقال عمرو بن قيس هي مجالس السوء والخنا. وقال مالك عن الزهري: شرب الخمر لا يحضرونه ولا يرغبون فيه كما جاء في الحديث " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر " وقيل المراد بقوله تعالى (لا يشهدون الزور) أي شهادة الزور وهي الكذب متعمدا على غيره كما في الصحيحين عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ " ثلاثا - قلنا بلى يا رسول الله قال " الشرك بالله وعقوق الوالدين " وكان متكئا فجلس فقال " ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور " فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت. والأظهر من السياق أن المراد لا يشهدون الزور أي لا يحضرونه ولهذا قال تعالى (وإذا مروا باللغو مروا كراما) أي لا يحضرون الزور وإذا اتفق مرورهم به مروا ولم يتدنسوا منه بشئ ولهذا قال (مروا كراما) وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو الحسن العجلي عن محمد ابن مسلم أخبرني إبراهيم بن ميسرة أن ابن مسعود مر بلهو فلم يقف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد أصبح ابن مسعود وأمسى كريما " وحدثنا الحسين بن محمد بن سلمة النحوي ثنا حبان أنا عبد الله أنا محمد بن مسلم أخبرني ميسرة قال بلغني أن ابن مسعود مر بلهو معرضا فلم يقف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد أصبح ابن مسعود وأمسى كريما " ثم تلا إبراهيم بن ميسرة (وإذا مروا باللغو مروا كراما ". وقوله تعالى (والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا) وهذه أيضا من صفات المؤمنين (الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون) بخلاف الكافر فإنه إذا سمع كلام الله لا يؤثر فيه ولا يتغير عما كان عليه بل يبقى مستمرا على كفره وطغيانه وجهله وضلاله كما قال تعالى (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم) فقوله (لم يخروا عليها صما وعميانا) أي بخلاف الكافر الذي إذا سمع آيات الله فلا تؤثر فيه فيستمر على حاله كأن لم يسمعها أصم أعمى. قال مجاهد قوله (لم يخروا عليها صما وعميانا) قال لم يسمعوا ولم يبصروا ولم يفقهوا شيئا، وقال الحسن البصري رضي الله عنه: كم من رجل يقرؤها ويخر عليها أصم أعمى. وقال قتادة