قال للملا خوله إن هذا لساحر عليم (34) يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون (35) قالوا أرجه وأخاه وابعثه في المدائن حشرين (36) يأتوك بكل سحار عليم (37) لما قامت الحجة على فرعون بالبيان والعقل عدل إلى أن يقهر موسى بيده وسلطانه فظن أنه ليس وراء هذا المقام مقال فقال " لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين " فعند ذلك قال موسى " أو لو جئتك بشئ مبين " أي ببرهان قاطع واضح " قال فائت به إن كنت من الصادقين * فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين " أي ظاهر واضح في غاية الجلاء والوضوح والعظمة ذات قوائم وفم كبير وشكل هائل مزعج " ونزع يده " أي من جيبه " فإذا هي بيضاء للناظرين " أي تتلألأ كقطعة من القمر فبادر فرعون بشقاوته إلى التكذيب والعناد فقال للملا حوله " إن هذا لساحر عليم " أي فاضل بارع في السحر، فروج عليهم فرعون أن هذا من قبيل السحر لا من قبيل المعجزة، ثم هيجهم وحرضهم على مخالفته والكفر به فقال " يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره " الآية أي أراد أن يذهب بقلوب الناس معه بسبب هذا فيكثر أعوانه وأنصاره وأتباعه ويغلبكم على دولتكم فيأخذ البلاد منكم فأشيروا علي فيه ماذا أصنع به؟ " قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين * يأتوك بكل سحار عليم " أي أخره وأخاه حتى تجمع له من مدائن مملكتك وأقاليم دولتك كل سحار عليم يقابلونه ويأتون بنظير ما جاء به فتغلبه أنت وتكون لك النصرة والتأييد، فأجابهم إلى ذلك. وكان هذا من تسخير الله تعالى لهم في ذلك ليجتمع الناس في صعيد واحد وتظهر آيات الله وحججه وبراهينه على الناس في النهار جهرة.
فجمع السحرة لميقات يوم معلوم (38) وقيل للناس هل أنتم مجتمعون (39) لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين (40) فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أئن لنا لاجرا إن كنا نحن الغالبين (41) قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين (42) قال لهم موسى إلقوا ما أنتم ملقون (43) فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون (44) فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون (45) فألقي السحرة ساجدين (46) قالوا آمنا برب العلمين (47) رب موسى وهرون (48) ذكر الله تعالى هذه المناظر الفعلية بين موسى عليه السلام والقبط في سورة الأعراف وفي سورة طه وفي هذه السورة: وذلك أن القبط أرادوا أن يطفئوا نور الله بأفواههم فأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، وهذا شأن الكفر والايمان ما تواجها وتقابلا إلا غلبه الايمان " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون " " وقل جاء الحق وزهق الباطل " الآية ولهذا لما جاء السحرة وقد جمعوهم من أقاليم بلاد مصر، وكانوا إذ ذاك أسحر الناس وأصنعهم وأشدهم تخييلا في ذلك، وكان السحرة جمعا كثيرا، وجما غفيرا، قيل كانوا اثني عشر ألفا وقيل خمسة عشر ألفا، وقيل سبعة عشر ألفا، وقيل تسعة عشر ألفا، وقيل بضعة وثلاثين ألفا، وقيل ثمانين ألفا. وقيل غير ذلك والله أعلم بعدتهم. قال ابن إسحاق: وكان أمرهم راجعا إلى أربعة منهم وهم رؤساؤهم وهم: سابور وعاذور وحطحط ومصفى، واجتهد الناس في الاجتماع ذلك اليوم وقال قائلهم " لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين " ولم يقولوا نتبع الحق سواء كان من السحرة أو من موسى بل الرعية على دين ملكهم " فلما جاء السحرة " أي إلى مجلس فرعون وقد ضربوا له وطاقا وجمع خدمه وحشمه ووزرائه ورؤساء دولته وجنود مملكته فقام السحرة بين يدي فرعون يطلبون منه الاحسان إليهم والتقرب إليه إن غلبوا أي هذا الذي جمعتنا من أجله فقالوا " أئن لنا لاجرا إن كنا نحن الغالبين * قال نعم وإنكم إذا لمن المقربين " أي وأخص مما تطلبون أجعلكم من المقربين عندي وجلسائي، فعادوا إلى مقام المناظرة " قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن