صلى الله عليه وسلم لأصحابه " ما تقولون في الزنا؟ " قالوا حرمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه " لان يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره " قال: " فما تقولون في السرقة؟ " قالوا حرمها الله ورسوله فهي حرام قال " لان يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من بيت جاره " وقال أبو بكر بن أبي الدنيا حدثنا عمار بن نصر حدثنا بقية عن أبي بكر بن أبي مريم عن الهيثم بن مالك الطائي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له " وقال ابن جريج أخبرني يعلى عن سعيد بن جبير أنه سمع ابن عباس يحدث أن ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا ثم أتوا محمدا صلى الله عليه وسلم فقالوا إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزلت (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) الآية ونزلت (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم) الآية وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن عمرو عن أبي فاختة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل " إن الله ينهاك أن تعبد المخلوق وتدع الخالق وينهاك أن تقتل ولدك وتغذو كلبك وينهاك أن تزني بحليلة جارك " قال سفيان وهو قوله (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) الآية. وقوله تعالى (ومن يفعل ذلك يلق أثاما) روي عن عبد الله بن عمرو أنه قال:
أثاما: واد في جهنم وقال عكرمة " يلق أثاما " أودية في جهنم يعذب فيها الزناة وكذا روي عن سعيد بن جبير ومجاهد وقال قتادة " يلق أثاما " نكالا: كنا نحدث أنه واد في جهنم.
وقد ذكر لنا أن لقمان كان يقول: يا بني، إياك والزنا فإن أوله مخافة وآخره ندامة. وقد ورد في الحديث الذي رواه ابن جرير وغيره عن أبي أمامة الباهلي موقوفا ومرفوعا أن غيا وأثاما بئران في قعر جهنم. أجارنا الله منهما بمنه وكرمه. وقال السدي (يلق أثاما) جزاء وهذا أشبه بظاهر الآية وبهذا فسره بما بعده مبدلا منه. وهو قوله تعالى (يضاعف له العذاب يوم القيامة) أي يكرر عليه ويغلظ " ويخلد فيه مهانا " أي حقيرا ذليلا. وقوله تعالى " إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا " أي جزاؤه على ما فعل من هذه الصفات القبيحة ما ذكر (إلا من تاب) أي في الدنيا إلى الله عز وجل من جميع ذلك فإن الله يتوب عليه وفي ذلك دلالة على صحة توبة القاتل ولا تعارض بين هذه وبين آية النساء (ومن يقتل مؤمنا متعمدا) الآية فإن هذه وإن كانت مدنية إلا أنها مطلقة فتحمل على من لم يتب لأن هذه مقيدة بالتوبة ثم قد قال تعالى (إن الله لا يغفر أن يشرك به) الآية قد ثبتت السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحة توبة القاتل كما ذكر مقررا من قصة الذي قتل مائة رجل ثم تاب فقبل الله توبته وغير ذلك من الأحاديث وقوله تعالى (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما) في معنى قوله (يبدل الله سيئاتهم حسنات) قولان أحدهما أنهم بدلوا مكان عمل السيئات بعمل الحسنات. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية قال هم المؤمنون كانوا من قبل إيمانهم على السيئات فرغب الله بهم عن السيئات فحولهم إلى الحسنات فأبدلهم مكان السيئات الحسنات وروي عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان ينشد عند هذه الآية:
بدلن بعد حره خريفا * وبعد طول النفس الوجيفا يعني تغيرت تلك الأحوال إلى غيرها وقال عطاء بن أبي رباح هذا في الدنيا يكون الرجل على صفة قبيحة ثم يبدله الله بها خيرا. وقال سعيد بن جبير أبدلهم الله بعبادة الأوثان عبادة الرحمن وأبدلهم بقتال المسلمين قتال المشركين وأبدلهم بنكاح المشركات نكاح المؤمنات وقال الحسن البصري أبدلهم الله بالعمل السئ العمل الصالح وأبدلهم بالشرك إخلاصا وأبدلهم بالفجور إحصانا وبالكفر إسلاما وهذا قول أبي العالية وقتادة وجماعة آخرين (والقول الثاني) أن تلك السيئات الماضية تنقلب بنفس التوبة النصوح حسنات وما ذاك إلا لأنه كلما تذكر ما مضى ندم واسترجع واستغفر فينقلب الذنب طاعة بهذا الاعتبار فيوم القيامة وإن وجده مكتوبا عليه فإنه لا يضره وينقلب حسنة في صحيفته كما ثبتت السنة بذلك وصحت به الآثار المروية عن السلف رضي الله