قوله تعالى (والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا) يقول لم يصموا عن الحق ولم يعموا فيه فهم والله قوم عقلوا عن الحق وانتفعوا بما سمعوا من كتابه. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أسيد بن عاصم حدثنا عبد الله بن حمران ثنا ابن عون قال سألت الشعبي قلت الرجل يرى القوم سجودا ولم يسمع ما سجدوا أيسجد معهم؟ قال فتلا هذه الآية: يعني أنه لا يسجد معهم لأنه لم يتدبر أمر السجود ولا ينبغي للمؤمن أن يكون إمعة بل يكون على بصيرة في أمره ويقين واضح بين وقوله تعالى (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين) يعني الذين يسألون الله أن يخرج من أصلابهم من ذرياتهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له. قال ابن عباس يعنون من يعمل بطاعة الله فتقر به أعينهم في الدنيا والآخرة قال عكرمة: لم يريدوا بذلك صباحة ولا جمال ولكن أرادوا أن يكونوا مطيعين وسئل الحسن البصري عن هذه الآية فقال أن يرى الله العبد المسلم من زوجته ومن أخيه ومن حميمه طاعة الله لا والله لا شئ أقر لعين المسلم من أن يرى ولدا أو ولد ولد أو أخا وحميما مطيعا لله عز وجل قال ابن جريج في قوله (هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين) قال يعبدونك فيحسنون عبادتك ولا يجرون علينا الجرائر، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: يعني يسألون الله تعالى لأزواجهم وذرياتهم أن يهديهم للاسلام وقال الإمام أحمد حدثنا معمر بن بشر حدثنا عبد الله بن المبارك أخبرنا صفوان بن عمرو حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال: جلسنا إلى المقداد بن الأسود يوما فمر به رجل فقال طوبى لهاتين العينين اللتين رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم لوددنا أنا رأينا ما رأيت وشهدنا ما شهدت فاستغضب المقداد فجعلت أعجب لأنه ما قال إلا خيرا، ثم أقبل إليه فقال ما يحمل الرجل على أن يتمنى محضرا غيبه الله عنه لا يدري لو شهده كيف يكون فيه والله لقد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم أقواما أكبهم الله على مناخرهم في جهنم لم يجيبوه ولم يصدقوه أولا تحمدون الله إذ أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعرفون إلا ربكم مصدقين بما جاء به نبيكم قد كفيتم البلاء بغيركم؟ لقد بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم على أشر حال بعث عليها نبيا من الأنبياء في فترة جاهلية ما يرون أن دينا أفضل من عبادة الأوثان فجاء بفرقان فرق به بين الحق والباطل وفرق بين الوالد وولده إن كان الرجل ليرى والده وولده وأخاه كافرا وقد فتح الله قفل قلبه للايمان يعلم أنه إن هلك دخل النار، فلا تقر عينه وهو يعلم أن حبيبه في النار، وأنها التي قال الله تعالى (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين) وهذا إسناد صحيح ولم يخرجوه وقوله تعالى (واجعلنا للمتقين إماما) قال ابن عباس والحسن والسدي وقتادة والربيع بن أنس أئمة يقتدى بنا في الخير. وقال غيرهم هداة مهتدين دعاة إلى الخير فأحبوا أن تكون عبادتهم متصلة بعبادة أولادهم وذرياتهم وأن يكون هداهم متعديا إلى غيرهم بالنفع وذلك أكثر ثوابا، وأحسن مآبا، ولهذا ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له أو علم ينتفع به من بعده أو صدقة جارية ".
أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلما (75) خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما (76) قل ما يعبؤا بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما (77) لما ذكر تعالى من أوصاف عباده المؤمنين ما ذكر من الصفات الجميلة والأقوال والافعال الجليلة قال بعد ذلك كله (أولئك) أي المتصفون بهذه (يجزون) يوم القيامة (الغرفة) وهي الجنة، قال أبو جعفر الباقر وسعيد ابن جبير والضحاك والسدي سميت بذلك لارتفاعها (بما صبروا) أي على القيام بذلك (ويلقون فيها) أي في الجنة (تحية وسلاما) أي يبتدرون فيها بالتحية والاكرام، ويلقون التوقير والاحترام، فلهم السلام وعليهم السلام فإن الملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، وقوله تعالى (خالدين فيها) أي مقيمين لا يظعنون ولا يحولون ولا يموتون ولا يزولون عنها ولا يبغون عنها حولا كما قال تعالى