تفسير ابن كثير - ابن كثير - ج ٣ - الصفحة ٣٤٥
الجاهلين، قال ابن جريج وهو كذلك في قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه " ففررت منكم لما خفتكم " الآية أي انفصل الحال الأول وجاء أمر آخر فقد أرسلني الله إليك فإن أطعته سلمت وإن خالفته عطبت، ثم قال موسى " وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل " أي وما أحسنت إلي وربيتني مقابل ما أسأت إلى بني إسرائيل فجعلتهم عبيدا وخدما تصرفهم في أعمالك ومشاق رعيتك، أفيفي إحسانك إلى رجل واحد منهم بما أسأت إلى مجموعهم أي ليس ما ذكرته شيئا بالنسبة إلى ما فعلت بهم.
قال فرعون وما رب العلمين (23) قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين (24) قال لمن حوله ألا تستمعون (25) قال ربكم ورب آبائكم الأولين (26) قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون (27) قال رب الشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون (28) يقول تعالى مخبرا عن كفر فرعون وتمرده وطغيانه وجحوده في قوله " وما رب العالمين " وذلك أنه كان يقول لقومه " ما علمت لكم من إله غيري " " فاستخف قومه فأطاعوه " وكانوا يجحدون الصانع جل وعلا ويعتقدون أنه لا رب لهم سوى فرعون، فلما قال له موسى إني رسول رب العالمين قال له فرعون ومن هذا الذي تزعم أنه رب العالمين غيري؟ هكذا فسره علماء السلف وأئمة الخلف حتى قال السدي هذه الآية كقوله تعالى " قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى " ومن زعم من أهل المنطق وغيرهم أن هذا سؤال عن الماهية فقد غلط فإنه لم يكن مقرا بالصانع حتى يسأل عن الماهية بل كان جاحدا له بالكلية فيما يظهر وإن كانت الحجج والبراهين قد قامت عليه فعند ذلك قال موسى لما سأله عن رب العالمين " قال رب السماوات والأرض وما بينهما " أي خالق جميع ذلك ومالكه والمتصرف فيه وإلهه لا شريك له هو الله الذي خلق الأشياء كلها العالم العلوي وما فيه من الكواكب الثوابت والسيارات النيرات، والعالم السفلي وما فيه من بحار وقفار وجبال وأشجار وحيوانات ونبات وثمار وما بين ذلك من الهواء والطير، وما يحتوي عليه الجو، الجميع عبيد له خاضعون ذليلون " إن كنتم موقنين " أي إن كانت لكم قلوب موقنة وأبصار نافذة، فعند ذلك التفت فرعون إلى من حوله من ملئه ورؤساء دولته قائلا لهم على سبيل التهكم والاستهزاء والتكذيب لموسى فيما قاله " ألا تستمعون " أي ألا تعجبون من هذا في زعمه أن لكم إلها غيري؟ فقال لهم موسى " ربكم ورب آبائكم الأولين " أي خالقكم وخالق آبائكم الأولين الذي كانوا قبل فرعون وزمانه " قال " أي فرعون لقومه " إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون " أي ليس له عقل في دعواه أن ثم ربا غيري " قال " أي موسى لأولئك الذين أوعز إليهم فرعون ما أو عز من الشبهة فأجاب موسى بقوله " رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون " أي هو الذي جعل المشرق مشرقا تطلع منه الكواكب، والمغرب مغربا تغرب فيه الكواكب ثوابتها وسياراتها مع هذا النظام الذي سخرها فيه وقدرها فإن كان هذا الذي يزعم أنه ربكم وإلهكم صادقا فليعكس الامر وليجعل المشرق مغربا والمغرب مشرقا، كما قال تعالى عن " الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فائت بها من المغرب " الآية. ولهذا لما غلب فرعون وانقطعت حجته عدل إلى استعمال جاهه وقوته وسلطانه، وأعتقد أن ذلك نافع له ونافذ في موسى عليه السلام فقال ما أخبر الله تعالى عنه: قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين (29) قال أو لو جئتك بشئ مبين (30) قال فأت به إن كنت من الصدقين (31) فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين (32) ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين (33)
(٣٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 340 341 342 343 344 345 346 347 348 349 350 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تفسير سورة سبحان 3
2 قصة الاسراء والمعراج 3
3 إيتاء سيدنا موسى عليه السلام التوراة 26
4 كتاب الاعمال 29
5 بعثة الرسل 31
6 المترفين 35
7 القرون الماضية بعد نوح 36
8 هلاك من آثر الدنيا على الآخرة 36
9 الامر بالتوسط في الانفاق 40
10 تكريم بنى آدم 55
11 الكلام على الروح 64
12 لو اجتمع الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لعجزوا 66
13 إيتاء موسى عليه السلام التسع آيات 70
14 تفسير سورة الكهف 74
15 قصة أصحاب الكهف 77
16 قصة صاحب الجنتين 87
17 قصة سيدنا موسى مع الخضر 97
18 قصة ذو القرنين 106
19 تفسير سورة مريم 116
20 قصة سيدنا زكريا عليه السلام 116
21 قصة السيدة مريم 120
22 قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام 129
23 قصة سيدنا موسى عليه السلام 131
24 قصة سيدنا إسماعيل عليه السلام 132
25 قصة سيدنا إدريس عليه السلام 133
26 المرور على الصراط 138
27 تفسير سورة طه 148
28 قصة سيدنا موسى مع فرعون 151
29 تفسير سورة الأنبياء 181
30 قصة سيدنا إبراهيم مع قومه 190
31 قصة سيدنا داود وسليمان 195
32 قصة سيدنا أيوب عليه السلام 197
33 قصة سيدنا يونس عليه السلام 200
34 تفسير سورة الحج 212
35 اذان سيدنا إبراهيم بالحج 225
36 دفاع الله عن المؤمنين 235
37 تفسير سورة المؤمنون 248
38 بيان كيفية خلق الانسان 250
39 تفسير سورة النور 270
40 ما جاء في اللعان 275
41 قصة الافك 279
42 الامر بالاستئذان 289
43 امر المؤمنين بغض ابصارهم 292
44 امر المؤمنات بغض أبصارهن 293
45 الامر بنكاح الأيامى المؤمنات 297
46 تفسير قوله تعالى: الله نور السماوات والأرض 300
47 الامر ببناء المساجد وتعظيمها 303
48 تفسير سورة الفرقان 319
49 صفات عباد الرحمن 336
50 تفسير سورة الشعراء 343
51 قصة سيدنا موسى مع فرعون 344
52 قصة سيدنا إبراهيم مع قومه 350
53 قصة سيدنا نوح مع قومه 353
54 قصة سيدنا هود مع قومه 353
55 قصة سيدنا لوط مع قومه 357
56 قصة سيدنا شعيب مع قومه 357
57 تفسير سورة النمل 368
58 قصة سيدنا موسى مع فرعون 369
59 قصة سيدنا داود وسليمان 370
60 قصة سيدنا صالح مع قومه 379
61 قصة الدابة التي تخرج من الأرض 386
62 النفخ في الصور 389
63 تفسير سورة القصص 391
64 نيا سيدنا موسى مع فرعون 391
65 قصة قارون 409
66 تفسير سورة العنكبوت 415
67 نبا سيدنا نوح مع قومه 417
68 نبا سيدنا إبراهيم عليه السلام 418
69 تفسير سورة الروم 432
70 الآيات الدالة على قدرته عز وجل 438
71 تفسير سورة لقمان 450
72 وصية لقمان لابنه 453
73 فصل في الخمول والتواضع 456
74 باب ما جاء في الشهرة 457
75 فصل في حسن الخلق 458
76 فصل في ذم الكبر 458
77 فصل في الاختيال 459
78 تفسير سورة السجدة 465
79 صفات المؤمنين 467
80 تفسير سورة الأحزاب 473
81 النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم الخ 476
82 اخذ العهد على الأنبياء 477
83 الامر بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 483
84 فضل أمهات المؤمنين 490
85 ما أعده الله للمؤمنين والمؤمنات 495
86 الامر بالاكثار من ذكر الله 502
87 آية الحجاب 511
88 الامر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم 514
89 امر المؤمنات بتطويل الثياب 526
90 تفسير سورة سبا 532
91 تسخير الريح والجن لسيدنا سليمان 535
92 قصة سبا 538
93 ارسال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة 546
94 تفسير سورة فاطر 554
95 ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها 554
96 الكلام على قوله تعالى: يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله 559
97 الكلام على قوله تعالى: ان الذين يتلون كتاب الله... الخ 561
98 تفسير سورة يس 570
99 أصحاب القرية 574
100 الدليل على البعث 588