وأعانه عليه قوم آخرون * فقد جاءوا ظلما وزورا * وقالوا أساطير الأولين) وقال: (وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين) وقرأ آخرون (إن هذا إلا خلق الأولين) بضم الخاء واللام يعنون دينهم وما هم عليه من الامر هو دين الأولين من الآباء والأجداد ونحن تابعون لهم سالكون وراءهم نعيش كما عاشوا ونموت كما ماتوا ولا بعث ولا معاد ولهذا قالوا: (وما نحن بمعذبين) قال علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس (إن هذا إلا خلق الأولين) يقول دين الأولين وقاله عكرمة وعطاء الخراساني وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم واختاره ابن جرير وقوله تعالى: (فكذبوه فأهلكناهم) أي استمروا على تكذيب نبي الله هود ومخالفته وعناده فأهلكهم الله وقد بين سبب إهلاكه إياهم في غير موضع من القرآن بأنه أرسل عليهم ريحا صرصرا عاتية أي ريحا شديدة الهبوب ذات برد شديد جدا فكان سبب إهلاكهم من جنسهم فإنهم كانوا أعتى شئ وأجبره فسلط الله عليهم ما هو أعتى منهم وأشد قوة كما قال تعالى: (ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد) وهم عاد الأولى كما قال تعالى: (وأنه أهلك عادا الأولى) وهم من نسل إرم بن سام بن نوح (ذات العماد) الذين كانوا يسكنون العمد ومن زعم أن إرم مدينة فإنما أخذ ذلك من الإسرائيليات من كلام كعب ووهب وليس لذلك أصل أصيل ولهذا قال التي لم يخلق مثلها في البلاد) أي لم يخلق مثل هذه القبيلة في قوتهم وشدتهم وجبروتهم ولو كان المراد بذلك مدينة لقال التي لم يبن مثلها في البلاد وقال تعالى: (فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة؟ أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون) وقد قدمنا أن الله تعالى لم يرسل عليهم من الريح إلا مقدار أنف الثور عتت على الخزنة فأذن الله لها في ذلك فسلكت فحصبت بلادهم فحصبت كل شئ لهم كما قال تعالى: (تدمر كل شئ بأمر ربها) الآية وقال تعالى: (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية) - إلى قوله حسوما - أي كاملة - (فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية) أي بقوا أبدانا بلا رؤوس وذلك أن الريح كانت تأتي الرجل منهم فتقتلعه وترفعه في الهواء ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخ دماغه وتكسر رأسه وتلقيه كأنهم أعجاز نخل منقعر وقد كانوا تحصنوا في الجبال والكهوف والمغارات وحفروا لهم في الأرض إلى أنصافهم فلم يغن عنهم ذلك من أمر الله شيئا (إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر) ولهذا قال تعالى: (فكذبوه فأهلكناهم) الآية.
كذبت ثمود المرسلين (141) إذ قال لهم أخوهم صلح ألا تتقون (142) إني لكم رسول أمين (143) فاتقوا الله وأطيعون (144) وما أسئلكم عليه من أجر إن أجرى إلا على رب العالمين (145) وهذا إخبار من الله عز وجل عن عبده ورسوله صالح عليه السلام أنه بعثه إلى قومه ثمود وكانوا عربا يسكنون مدينة الحجر التي بين وادى القرى وبلاد الشام ومساكنهم معروفة مشهورة وقد قدمنا في سورة الأعراف الأحاديث المروية في مرور رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم حين أراد غزو الشام فوصل إلى تبوك ثم عاد إلى المدينة ليتأهب لذلك وكانوا بعد عاد وقبل الخليل عليه السلام فدعاهم نبيهم صالح إلى الله عز وجل أن يعبدوه وحده لا شريك له وأن يطيعوه فيما بلغهم من الرسالة فأبوا عليه وكذبوه وخالفوه وأخبرهم أنه لا يبتغي بدعوتهم أجرا منهم وإنما يطلب ثواب ذلك من الله عز وجل ثم ذكرهم آلاء الله عليهم فقال.
أتتركون في ما ههنا آمنين (146) في جنت وعيون (147) وزروع ونخل طلعها هضيم (148) وتنحتون من الجبال بيوتا فرهين (149) فاتقوا الله وأطيعون (150) ولا تطيعوا أمر المسرفين (151) الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون (152) يقول لهم واعظا لهم ومحذرهم نقم الله أن تحل بهم ومذكرا بأنعم الله عليهم فيما رزقهم من الأرزاق الدارة