بين يدي السحاب مبشرا ومنها ما يكون قبل ذلك تقم الأرض ومنها ما يلقح السحاب ليمطر ولهذا قال تعالى:
" وأنزلنا من السماء ماء طهورا " أي آلة يتطهر بها كالسحور والوجور وما جرى مجراهما، فهذا أصح ما يقال في ذلك، وأما من قال إنه فعول بمعنى فاعل أو أنه مبني للمبالغة والتعدي فعلى كل منهما إشكالات من حيث اللغة والحكم ليس هذا موضع بسطها والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي بإسناده إلى حميد الطويل عن ثابت البناني قال دخلت مع أبي العالية في يوم مطير وطرق البصرة قذرة فصلى فقلت له فقال: " وأنزلنا من السماء ماء طهورا " قال طهره ماء السماء وقال أيضا حدثنا أبي حدثنا أبو سلمة حدثنا وهيب عن داود عن سعيد بن المسيب في هذه الآية قال: أنزله الله طهورا لا ينجسه شئ وعن أبي سعيد قال: قيل يا رسول الله أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها النتن ولحوم الكلاب؟ فقال: " إن الماء طهور لا ينجسه شئ " رواه الشافعي وأحمد وصححه أبو داود والترمذي وحسنه والنسائي. وروى ابن أبي حاتم بإسناده حدثنا أبي حدثنا أبو الأشعث حدثنا معتمر سمعت أبي يحدث عن سيار عن خالد بن يزيد قال: كنا عند عبد الملك بن مروان فذكروا الماء فقال خالد بن يزيد: منه ماء من السماء ومنه ماء يسقيه الغيم من البحر فيذبه الرعد والبرق فأما ما كان من البحر فلا يكون منه نبات فأما النبات فمما كان من السماء. وروي عن عكرمة قال: ما أنزل الله من السماء قطرة إلا أنبت بها في الأرض عشبة أو في البحر لؤلؤة، وقال غيره: في البربر، وفي البحر در. وقوله تعالى: " لنحيي به بلدة ميتا " أي أرضا قد طال انتظارها للغيث فهي هامدة لا نبات فيها ولا شئ فلما جاءها الحياء عاشت واكتست رباها أنواع الأزاهير والألوان كما قال تعالى: " فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت " الآية: " ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا " أي وليشرب منه الحيوان من أنعام وأناسي محتاجين إليه غاية الحاجة لشربهم وزروعهم وثمارهم كما قال تعالى: " وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا " الآية وقال تعالى: " فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها " الآية. وقوله تعالى: " ولقد صرفناه بينهم ليذكروا " أي أمطرنا هذه الأرض دون هذه وسقنا السحاب يمر على الأرض ويتعداها ويتجاوزها إلى الأرض الأخرى فيمطرها ويكفيها ويجعلها غدقا والتي وراءها لم ينزل فيها قطرة من ماء، وله في ذلك الحجة البالغة والحكمة القاطعة قال ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم ليس عام بأكثر مطرا من عام ولكن الله يصرفه كيف يشاء ثم قرأ هذه الآية " ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا " أي ليذكروا بإحياء الله الأرض الميتة أنه قادر على إحياء الأموات والعظام الرفات أو ليذكر من منع المطر إنما أصابه ذلك بذنب أصابه فيقلع عما هو فيه. وقال عمر مولى عقبة: كان جبريل عليه السلام في موضع الجنائز فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " يا جبريل إني أحب أن أعلم أمر السحاب " قال فقال له جبريل يا نبي الله هذا ملك السحاب فسله فقال تأتينا صكاك مختمة: اسق بلاد كذا وكذا، كذا وكذا قطرة. رواه ابن أبي حاتم وهو حديث مرسل وقوله تعالى: " فأبى أكثر الناس إلا كفورا " قال عكرمة يعني الذين يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا وهذا الذي قاله عكرمة كما صح في الحديث المخرج في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه يوما على أثر سماء أصابتهم من الليل " أتدرون ماذا قال ربكم؟ " قالوا الله ورسوله أعلم قال " قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكوكب ".
ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا (51) فلا تطع الكافرين وجهدهم به جهادا كبيرا (52) * وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا (53) وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا (54)