كقوله تعالى " ولا تمش في الأرض مرحا " الآية فأما هؤلاء فإنهم يمشون من غير استكبار ولا مرح ولا أشر ولا بطر، وليس المراد أنهم يمشون كالمرضى تصنعا ورياء فقد كان سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنما ينحط من صبب وكأنما الأرض تطوى له، وقد كره بعض السلف المشي بتضعف وتصنع حتى روي عن عمر أنه رأى شابا يمشي رويدا فقال ما بالك أأنت مريض؟ قال لا يا أمير المؤمنين فعلاه بالدرة وأمره أن يمشي رويدا فقال ما بالك أأنت مريض؟ قال لا يا أمير المؤمنين فعلاه بالدرة وأمره أن يمشي بقوة. وإنما المراد بالهون هنا السكينة والوقار كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وائتوها وعليكم السكينة فما أدركتم منها فصلوا وما فاتكم فأتموا " وقال عبد الله بن المبارك عن معمر عن عمر بن المختار عن الحسن البصري في قوله (وعباد الرحمن) الآية قال: إن المؤمنين قوم ذلل ذلت منهم - والله - الاسماع والابصار والجوارح، حتى يحسبهم الجاهل مرضى وما بالقوم من مرض، وإنهم - والله - لاصحاء ولكنهم دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة فقالوا: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن أما والله ما أحزنهم ما أحزن الناس ولا تعاظم في نفوسهم شئ طلبوا به الجنة ولكن أبكاهم الخوف من النار إنه من لم يتعز بعزاء الله تقطع نفسه على الدنيا حسرات ومن لم ير لله نعمة إلا في مطعم أو مشرب فقد قل علمه وحضر عذابه.
وقوله تعالى (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) أي إذا سفه عليهم الجاهل بالقول السئ لم يقابلوهم عليه بمثله بل يعفون ويصفحون ولا يقولون إلا خيرا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزيده شدة الجاهل عليه إلا حلما وكما قال تعالى (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) الآية وروى الإمام أحمد حدثنا أسود بن عامر حدثنا أبو بكر عن الأعمش عن أبي خالد الوالبي عن النعمان بن مقرن المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسب رجل رجلا عنده فجعل المسبوب يقول: عليك السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما إن ملكا بينكما يذب عنك كلما شتمك هذا قال له بل أنت وأنت أحق به وإذا قلت له وعليك السلام قال لا بل عليك وأنت أحق به إسناده حسن ولم يخرجوه. وقال مجاهد (قالوا سلاما) يعني قالوا سدادا وقال سعيد بن جبير ردوا معروفا من القول وقال الحسن البصري قالوا سلام عليكم إن جهل عليهم حلموا يصاحبون عباد الله نهارهم بما يسمعون. ثم ذكر أن ليلهم خير ليل فقال تعالى (والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما) أي في طاعته وعبادته كما قال تعالى (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالاسحار هم يستغفرون) وقوله (تتجافى جنوبهم عن المضاجع) الآية وقال تعالى (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه) الآية. ولهذا قال تعالى (والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما) أي ملازما دائما كما قال الشاعر:
إن يعذب يكن غراما وإن يعط * جزلا فإنه لا يبالي ولهذا قال الحسن في قوله (إن عذابها كان غراما) كل شئ يصيب ابن آدم ويزول عنه فليس بغرام وإنما الغرام اللازم ما دامت السماوات والأرض وكذا قال سليمان التيمي. وقال محمد بن كعب (إن عذابها كان غراما) يعني ما نعموا في الدنيا إن الله تعالى سأل الكفار عن النعمة فلم يردوها إليه فأغرمهم فأدخلهم النار " إنها ساءت مستقرا ومقاما " أي بئس المنزل منظرا وبئس المقيل مقاما. وقال ابن أبي حاتم عند قوله (إنها ساءت مستقرا ومقاما) حدثنا أبي حدثنا الحسن بن الربيع حدثنا أبو الأحوص عن الأعمش عن مالك بن الحارث قال: قال إذا طرح الرجل في النار هوى فيها إذا انتهى إلى بعض أبوابها قيل له مكانك حتى تتحف قال فيسقى كأسا من سم الأساود والعقارب قال فيتميز الجلد على حدة والشعر على حدة والعصب على حدة والعروق على حدة. وقال أيضا حدثنا أبي حدثنا الحسن بن الربيع حدثنا أبو الأحوص عن الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمير قال إن في النار لجبابا فيها حياة أمثال البخت وعقارب أمثال البغال الدهم فإذا قذف بهم في النار خرجت إليهم من أوطانها فأخذت بشفاههم وأبشارهم وأشعارهم فكشطت لحومهم إلى أقدامهم فإذا وجدت حر النار رجعت.
وقال الإمام أحمد حدثنا الحسن بن موسى حدثنا سلام يعني ابن مسكين عن أبي طلال عن أنس بن مالك رضي