أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالانعام بل هم أضل سبيلا (44) يخبر تعالى عن استهزاء المشركين بالرسول صلى الله عليه وسلم إذ رأوه كما قال تعالى: " وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا " الآية يعنون بالعيب والنقص، وقال ههنا: " وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا " أي على سبيل التنقص والازدراء فقبحهم الله كما قال " ولقد استهزئ برسل من قبلك " الآية. وقوله تعالى: " إن كاد ليضلنا عن آلهتنا " يعنون أنه كاد يثنيهم عن عبادة الأصنام لولا أن صبروا وتجلدوا واستمروا عليها. قال الله تعالى متوعدا لهم ومتهددا " وسوف يعلمون حين يرون العذاب " الآية. ثم قال تعالى لنبيه منبها أن من كتب الله عليه الشقاوة والضلال فإنه لا يهديه أحد إلا الله عز وجل " أرأيت من اتخذ إلهه هواه " أي مهما استحسن من شئ ورآه حسنا في هوى نفسه كان دينه ومذهبه كما قال تعالى: " أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا * فإن الله يضل من يشاء " الآية ولهذا قال ههنا " أفأنت تكون عليه وكيلا " قال ابن عباس كان الرجل في الجاهلية يعبد الحجر الأبيض زمانا فإذا رأى غيره أحسن منه عبد الثاني وترك الأول. ثم قال تعالى: " أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون " الآية أي هم أسوا حالا من الانعام السارحة فإن تلك تفعل ما خلقت له وهؤلاء خلقوا لعبادة الله وحده لا شريك له فلم يفعلوا وهم يعبدون غيره ويشركون به مع قيام الحجة عليهم وإرسال الرسل إليهم.
ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا (45) ثم قبضنه إلينا قبضا يسيرا (46) وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا (47) من ههنا شرع سبحانه وتعالى في بيان الأدلة الدالة على وجوده وقدرته التامة على خلق الأشياء المختلفة والمتضادة فقال تعالى: " ألم تر إلى ربك كيف مد الظل "؟ قال ابن عباس وابن عمر وأبو العالية وأبو مالك ومسروق ومجاهد وسعيد بن جبير والنخعي والضحاك والحسن وقتادة: هو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس " ولو شاء لجعله ساكنا " أي دائما لا يزول كما قال تعالى: " قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا " الآيات. وقوله تعالى: " ثم جعلنا الشمس عليه دليلا " أي لولا أن الشمس تطلع عليه لما عرف فإن الضد لا يعرف إلا بضده، وقال قتادة والسدي دليلا تتلوه وتتبعه حتى تأتي عليه كله. وقوله تعالى: " ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا " أي الظل وقيل الشمس " يسيرا " أي سهلا قال ابن عباس سريعا وقال مجاهد خفيا وقال السدي قبضا خفيا حتى لا يبقى في الأرض ظل إلا تحت سقف أو تحت شجرة وقد أظلت الشمس ما فوقه، وقال أيوب بن موسى في الآية " قبضا يسيرا " قليلا قليلا، وقوله: " وهو الذي جعل لكم الليل لباسا " أي يلبس الوجود ويغشاه كما قال تعالى: " والليل إذا يغشى " " والنوم سباتا " أي قاطعا للحركة لراحة الأبدان فإن الأعضاء والجوارح تكل من كثرة الحركة في الانتشار بالنهار في المعاش فإذا جاء الليل وسكن سكنت الحركات فاستراحت فحصل النوم الذي فيه راحة البدن والروح معا " وجعل النهار نشورا " أي ينتشر الناس فيه لمعايشهم ومكاسبهم وأسبابهم كما قال تعالى: " ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله " الآية.
وهو الذي أرسل الريح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا (48) لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعما وأناسي كثيرا (49) ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا (50) وهذا أيضا من قدرته التامة وسلطانه العظيم وهو أنه تعالى يرسل الرياح مبشرات أي بمجئ السحاب بعدها، والرياح أنواع في صفات كثيرة من التسخير فمنها ما يثير السحاب، ومنها ما يحمله ومنها ما يسوقه ومنها ما يكون