الحسنة والصفات الجميلة والأقوال الفاضلة، والأعمال الكاملة والخوارق الباهرة والأدلة الظاهرة ما يستدل به كل ذي لب سليم وبصيرة مستقيمة على صدق ما جاءوا به من الله ونظير هذه الآية الكريمة قوله تعالى " وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى " وقوله: " وما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام " الآية وقوله تعالى: " وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون " أي اختبرنا بعضكم ببعض وبلونا بعضكم ببعض لنعلم من يطيع ممن يعصي ولهذا قال " أتصبرون وكان ربك بصيرا " أي بمن يستحق أن يوحى إليه كما قال تعالى: " الله أعلم حيث يجعل رسالته " ومن يستحق أن يهديه الله لما أرسلهم به ومن لا يستحق ذلك، وقال محمد بن إسحاق في قوله: " وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون " قال: يقول الله لو شئت أن أجعل الدنيا مع رسلي فلا يخالفون لفعلت ولكني قد أردت أن أبتلي العباد بهم وأبتليكم بهم وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " يقول الله تعالى إني مبتليك ومبتلي بك " وفي المسند عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " لو شئت لا جرى الله معي جبال الذهب والفضة " وفي الصحيح أنه عليه أفضل الصلاة والسلام خير بين أن يكون نبيا ملكا أو عبدا رسولا فاختار أن يكون عبدا رسولا.
وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتو عتوا كبيرا (21) يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا (22) وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا (23) أصحب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا (24) يقول تعالى مخبرا عن تعنت الكفار في كفرهم وعنادهم في قولهم: " لولا أنزل علينا الملائكة " أي بالرسالة كما تنزل على الأنبياء كما أخبر الله عنهم في الآية الأخرى " قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله " ويحتمل أن يكون مرادهم ههنا " لولا أنزل علينا الملائكة " فنراهم عيانا فيخبرونا أن محمدا رسول الله كقولهم " حتى تأتي بالله والملائكة قبيلا " وقد تقدم تفسيرها في سورة سبحان ولهذا قالوا: " أو نرى ربنا " ولهذا قال الله تعالى " لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا " وقد قال تعالى: " ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى " الآية وقوله تعالى: " يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا " أي هم لا يرون الملائكة في يوم خير لهم بل يوم يرونهم لا بشرى يومئذ لهم وذلك يصدق على وقت الاحتضار حين تبشرهم الملائكة بالنار، والغضب من الجبار، فتقول الملائكة للكافر عند خروج روحه: أخرجي أيتها النفس الخبيثة في الجسد الخبيث، أخرجي إلى سموم وحميم وظل من يحموم فتأبى الخروج وتتفرق في البدن فيضربونه كما قال الله تعالى " ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم " الآية وقال تعالى:
" ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم " أي بالضرب " أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون " ولهذا قال في هذه الآية الكريمة " يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين " وهذا بخلاف حال المؤمنين حال احتضارهم فإنهم يبشرون بالخيرات، وحصول المسرات، قال الله تعالى: " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون * نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم " وفي الحديث الصحيح عن البراء بن عازب: أن الملائكة تقول لروح المؤمن اخرجي أيتها النفس الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه، اخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان. وقد تقدم الحديث في سورة إبراهيم عند قوله تعالى: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء " وقال آخرون: بل المراد