يستأذنونك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم (62) وهذا أيضا أدب أرشد الله عباده المؤمنين إليه فكما أمرهم بالاستئذان عند الدخول كذلك أمرهم بالاستئذان عند الانصراف لا سيما إذا كانوا في أمر جامع مع الرسول صلوات الله وسلامه عليه من صلاة جمعة أو عيد جماعة أو اجتماع في مشورة ونحو ذلك أمرهم الله تعالى أن لا يتفرقوا عنه والحالة هذه إلا بعد استئذانه ومشاورته، وإن من يفعل ذلك فإنه من المؤمنين الكاملين ثم أمر رسوله صلوات الله وسلامه عليه إذا استأذنه أحد منهم في ذلك أن يأذن له إن شاء ولهذا قال " فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم " الآية. وقد قال أبو داود حدثنا أحمد بن حنبل ومسدد قالا حدثنا بشر هو ابن المفضل عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم فإذا أراد أن يقوم فليسلم فليست الأولى بأحق من الآخرة " وهكذا رواه الترمذي والنسائي من حديث محمد بن عجلان به وقال الترمذي حديث حسن.
لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم (63) قال الضحاك عن ابن عباس كانوا يقولون يا محمد يا أبا القاسم فنهاهم الله عز وجل عن ذلك إعظاما لنبيه صلى الله عليه وسلم قال فقولوا يا نبي الله يا رسول الله. وهكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير. وقال قتادة: أمر الله أن يهاب نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يبجل وأن يعظم وأن يسود. وقال مقاتل في قوله " لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا " يقول لا تسموه إذا دعوتموه يا محمد ولا تقولوا يا ابن عبد الله ولكن شرفوه فقولوا يا نبي الله يا رسول الله. وقال مالك عن زيد بن أسلم في قوله " لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا " قال أمرهم الله أن يشرفوه هذا قول وهو الظاهر من السياق كقوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا " إلى آخر الآية وقوله " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي، ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون - إلى قوله - إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون * ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم " الآية فهذا كله من باب الأدب في مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم والكلام معه وعنده كما أمروا بتقديم الصدقة قبل مناجاته. والقول الثاني في ذلك أن المعنى في " لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا " أي لا تعتقدوا أن دعاءه على غيره كدعاء غيره فإن دعاءه مستجاب فاحذروا أن يدعو عليكم فتهلكوا. حكاه ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن البصري وعطية العوفي والله أعلم. وقوله " قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا " قال مقاتل ابن حيان هم المنافقون كان يثقل عليهم الحديث في يوم الجمعة ويعني بالحديث الخطبة فيلوذون ببعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حتى يخرجوا من المسجد وكان لا يصح للرجل أن يخرج من المسجد إلا بإذن من النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة بعدما يأخذ في الخطبة وكان إذا أراد أحدهم الخروج أشار بأصبعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيأذن له من غير أن يتكلم الرجل لان الرجل منهم كان إذا تكلم والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب بطلت جمعته وقال السدي: كانوا إذا كانوا معه في جماعة لاذ بعضهم ببعض حثى يتغيبوا عنه فلا يراهم، وقال قتادة في قوله " قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا " يعني لواذا عن نبي الله وعن كتابه، وقال سفيان " قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا " قال من الصف. وقال مجاهد في الآية " لواذا " خلافا. وقوله " فليحذر الذين يخالفون عن أمره " أي عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سبيله ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله فما وافق ذلك قبل وما خالفه