المسألة الأولى: لقائل أن يقول: قوله: * (كن) * إن كان خطابا مع المعدوم فهو محال، وإن كان خطابا مع الموجود كان هذا أمرا بتحصيل الحاصل وهو محال.
والجواب: أن هذا تمثيل لنفي الكلام والمعاياة وخطاب مع الخلق بما يعقلون، وليس خطابا للمعدوم، لأن ما أراده الله تعالى فهو كائن على كل حال وعلى ما أراده من الإسراع، ولو أراد خلق الدنيا والآخرة بما فيهما من السماوات والأرض في قدر لمح البصر لقدر على ذلك، ولكن العباد خوطبوا بذلك على قدر عقولهم.
المسألة الثانية: قوله تعالى: * (قولنا) * مبتدأ و * (أن نقول) * خبره و * (كن فيكون) * من كان التامة التي بمعنى الحدوث والوجود أي إذا أردنا حدوث شيء فليس إلا أن نقول له أحدث فيحدث عقيب ذلك من غير توقف.
المسألة الثالثة: قرأ ابن عامر والكسائي * (فيكون) * بنصب النون، والباقون بالرفع قال الفراء: القراءة بالرفع وجهها أن يجعل قوله: * (أن نقول له) * كلاما تاما ثم يخبر عنه بأنه سيكون كما يقال: إن زيدا يكفيه إن أمر فيفعل فترفع قولك فيفعل على أن تجعله كلاما مبتدأ، وأما القراءة بالنصب فوجهه أن تجعله عطفا على أن نقول، والمعنى: أن نقول كن فيكون هذا قول جميع النحويين، قال الزجاج: ويجوز أن يكون نصبا على جواب * (كن) * قال أبو علي لفظة " كن " وإن كانت على لفظة الأمر فليس القصد بها ههنا الأمر إنما هو والله أعلم الإخبار عن كون الشيء وحدوثه، وإذا كان الأمر كذلك فحينئذ يبطل قوله إنه نصب على جواب * (كن) * والله أعلم.
المسألة الرابعة: احتج بعض أصحابنا بهذه الآية على قدم القرآن فقالوا قوله تعالى: * (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) * يدل على أنه تعالى إذا أراد إحداث شيء قال له كن فيكون، فلو كان قوله * (كن) * حادثا لافتقر إحداثه إلى أن يقول له كن وذلك يوجب التسلسل، وهو محال فثبت أن كلام الله قديم.
واعلم أن هذا الدليل عندي ليس في غاية القوة، وبيانه من وجوه:
الوجه الأول: أن كلمة * (إذا) * لا تفيد التكرار، والدليل عليه أن الرجل إذا قال لامرأته إذا دخلت الدار فأنت طالق فدخلت الدار مرة طلقت طلقة واحدة فلو دخلت ثانيا لم تطلق طلقة ثانية فعلمنا أن كلمة إذا لا تفيد التكرار، وإذا كان كذلك ثبت أنه لا يلزم في كل ما يحدثه الله تعالى أن يقول له كن فلم يلزم التسلسل.
والوجه الثاني: أن هذا الدليل إن صح لزم القول بقدم لفظه " كن " وهذا معلوم البطلان