تعبدون) * (يونس: 28) وإنما حسنت هذه الإضافة لأنه يكفي في حسن الإضافة أدنى سبب، وهذا كما يقال لمن يحمل خشبة خذ طرفك وآخذ طرفي، فأضيف الطرف إليه.
البحث الثاني: قوله: * (تشاقون فيهم) * أي تعادون وتخاصمون المؤمنين في شأنهم، وقيل: المشاقة عبارة عن كون أحد الخصمين في شق وكون الآخر في الشق الآخر.
البحث الثالث: قرأ نافع: * (تشاقون) * بكسر النون على الإضافة، والباقون بفتح النون على الجمع.
ثم قال تعالى: * (قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين) * وفيه بحثان:
البحث الأول: * (قال الذين أوتوا العلم) * قال ابن عباس: يريد الملائكة، وقال آخرون هم المؤمنون يقولون حين يرون خزي الكفار يوم القيامة إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين، والفائدة فيه أن الكفار كانوا ينكرون على المؤمنين في الدنيا فإذا ذكر المؤمن هذا الكلام يوم القيامة في معرض إهانة الكافر كان وقع هذا الكلام على الكافر وتأثيره في إيذائه أكمل وحصول الشماتة به أقوى.
البحث الثاني: المرجئة احتجوا بهذه الآية على أن العذاب مختص بالكافر قالوا لأن قوله تعالى: * (إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين) * يدل على أن ماهية الخزي والسوء في يوم القيامة مختصة بالكافر، وذلك ينفي حصول هذه الماهية في حق غيرهم، وتأكد هذا بقول موسى عليه السلام: * (إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى) * (طه: 48) ثم أنه تعالى وصف عذاب هؤلاء الكفار من وجه آخر فقال: * (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) * قرأ حمزة: * (يتوفاهم الملائكة) * بالياء لأن الملائكة ذكور، والباقون بالتاء للفظ.
ثم قال: * (فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء) * وفيه قولان:
القول الأول: أنه تعالى حكى عنهم إلقاء السلم عند القرب من الموت، قال ابن عباس: أسلموا وأقروا لله بالعبودية عند الموت. وقوله: * (ما كنا نعمل من سوء) * أي قالوا ما كنا نعمل من سوء! والمراد من هذا السوء الشرك، فقالت الملائكة ردا عليهم وتكذيبا: بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون من التكذيب والشرك، ومعنى بلى ردا لقولهم: * (ما كنا نعمل من سوء) * وفيه قولان:
القول الأول: أنه تعالى حكى عنهم إلقاء السلم عند القرب من الموت.
والقول الثاني: أنه تم الكلام عند قوله: * (ظالمي أنفسهم) * ثم عاد الكلام إلى حكاية كلام المشركين يوم القيامة، والمعنى: أنهم يوم القيامة ألقوا السلم وقالوا ما كنا نعمل في الدنيا من سوء، ثم ههنا اختلفوا، فالذين جوزوا الكذب على أهل القيامة، قالوا: هذا القول منهم على سبيل الكذب