والزمانة، وقيل لأبي العلاء المعري: ماذا نكتب على قبرك؟ قال اكتبوا عليه: هذا جناه أبي علي وما جنيت على أحد وقال في ترك التزوج والولد: وتركت أولادي وهم في نعمة العدم التي سبقت نعيم العاجل ولو أنهم ولدوا لعانوا شدة ترمي بهم في موبقات الآجل وقيل للإسكندر: أستاذك أعظم منة عليك أم والدك؟ فقال: الأستاذ أعظم منة، لأنه تحمل أنواع الشدائد والمحن عند تعليمي أرتعني في نور العلم، وأما الوالد فإنه طلب تحصيل لذة الوقاع لنفسه، وأخرجني إلى آفات عالم الكون والفساد، ومن الكلمات المشهورة المأثورة، خير الآباء من علمك.
والجواب: هب أنهما في أول الأمر طلبا لذة الوقاع إلا أن الاهتمام بإيصال الخيرات، وفي دفع الآفات من أول دخوله في الوجود إلى وقت بلوغه الكبر أليس أنه أعظم من جميع ما يتخيل من جهات الخيرات والمبرات، فسقطت هذه الشبهات والله أعلم.
المسألة الثانية: قوله: * (وبالوالدين إحسانا) * قال أهل اللغة: تقدير الآية وقضى ربك ألا تعبدوا إلا الله وأن تحسنوا، أو يقال: وقضى ألا تعبدوا إلا إياه وأحسنوا بالوالدين إحسانا. قال صاحب " الكشاف ": ولا يجوز أن تتعلق الباء في * (وبالوالدين) * بالإحسان لأن المصدر لا تتقدم عليه صلته ثم لم يذكر دليلا على أن المصدر لا يجوز أن تتقدم عليه صلته. وقال الواحدي في " البسيط ": الباء في * (وبالوالدين) * من صلة الإحسان وقدمت عليه كما تقول بزيد فامرر، وهذا المثال الذي ذكره الواحدي غير مطابق، لأن المطلوب تقديم صلة المصدر عليه، والمثال المذكور ليس كذلك.
المسألة الثالثة: قال القفال: لفظ الإحسان قد يوصل بحرف الباء تارة، وبحرف إلى أخرى، وكذلك الإساءة، يقال: أحسنت به وإليه. وأسأت به وإليه. قال الله تعالى: * (وقد أحسن بي) * (يوسف: 100) وقال القائل: أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة لدينا ولا مقلية إن تقلت وأقول لفظ الآية مشتمل على قيود كثيرة كل واحد منها يوجب المبالغة في الإحسان إلى الوالدين: أحدها: أنه تعالى قال في الآية المتقدمة: * (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا) * (الإسراء: 19) ثم إنه تعالى أردفه بهذه الآية المشتملة على الأعمال التي بواسطتها يحصل الفوز بسعادة الآخرة فذكر من جملتها البر بالوالدين، وذلك يدل على أن هذه الطاعة من