يؤكد ذلك أن الآية المتقدمة على هذه الآية وهي قوله: * (إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو) * صريح في أن الكل من الله تعالى. ثم قال: * (إن ربي لطيف لما يشاء) * والمعنى أن حصول الاجتماع بين يوسف وبين أبيه وإخوته مع الألفة والمحبة وطيب العيش وفراغ البال كان في غاية البعد عن العقول إلا أنه تعالى لطيف فإذا أراد حصول شيء سهل أسبابه فحصل وإن كان في غاية البعد عن الحصول.
ثم قال: * (إنه هو العليم الحكيم) * أعني أن كونه لطيفا في أفعاله إنما كان لأجل أنه عليم بجميع الاعتبارات الممكنة التي لا نهاية لها فيكون عالما بالوجه الذي يسهل تحصيل ذلك الصعب وحكيم أي محكم في فعله، حاكم في قضائه، حكيم في أفعاله مبرأ عن العبث والباطل والله أعلم.
قوله تعالى * (رب قد آتيتنى من الملك وعلمتنى من تأويل الاحاديث فاطر السماوات والارض أنت ولى فى الدنيا والاخرة توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: روي أن يوسف عليه السلام أخذ بيد يعقوب وطاف به في خزائنه فأدخله خزائن الذهب والفضة وخزائن الحلي وخزائن الثياب وخزائن السلاح، فلما أدخله مخازن القراطيس قال يا بني ما أغفلك، عندك هذه القراطيس وما كتبت إلي على ثمان مراحل قال: نهاني جبريل عليه السلام عنه قال سله عن السبب قال: أنت أبسط إليه فسأله فقال جبريل عليه السلام: أمرني الله بذلك لقولك وأخاف أن يأكله الذئب فهلا خفتني وروي أن يعقوب عليه السلام أقام معه أربعا وعشرين سنة ولما قربت وفاته أوصى إليه أن يدفنه بالشام إلى جنب أبيه إسحق فمضى بنفسه ودفنه ثم عاد إلى مصر وعاش بعد أبيه ثلاثا وعشرين سنة، فعند ذلك تمنى ملك الآخرة فتمنى الموت. وقيل: ما تمناه نبي قبله ولا بعده فتوفاه الله طيبا طاهرا، فتخاصم أهل مصر في دفنه كل أحد يحب أن يدفنه في محلتهم حتى هموا بالقتال فرأوا أن الأصلح أن يعملوا له صندوقا من مرمر ويجعلوه فيه ويدفنوه في النيل بمكان يمر الماء عليه ثم يصل إلى مصر لتصل بركته إلى كل أحد، وولد له افراثيم وميشا، وولد لافراثيم نون ولنون يوشع فتى موسى، ثم دفن يوسف هناك إلى أن بعث الله موسى