والوجه الثاني: وهو أن الضمير في قوله: * (فأسرها) * عائد إلى الإجابة كأنهم قالوا: * (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) * فأسر يوسف إجابتهم في نفسه في ذلك الوقت ولم يبدها لهم في تلك الحالة إلى وقت ثان ويجوز أيضا أن يكون إضمارا للمقالة. والمعنى: أسر يوسف مقالتهم، والمراد من المقالة متعلق تلك المقالة كما يراد بالخلق المخلوق وبالعلم المعلوم يعني أسر يوسف في نفسه كيفية تلك السرقة، ولم يبين لهم أنها كيف وقعت وأنه ليس فيها ما يوجب الذم والطعن. روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال عوقب يوسف عليه السلام ثلاث مرات لأجل همه بها، عوقب بالحبس وبقوله: * (اذكرني عند ربك) * (يوسف: 42) عوقب بالحبس الطويل وبقوله: * (إنكم لسارقون) * (يوسف: 7) عوقب بقولهم: * (فقد سرق أخ له من قبل) * ثم حكى تعالى عن يوسف أنه قال: * (أنتم شر مكانا) * أي أنتم شر منزلة عند الله تعالى لما أقدمتم عليه من ظلم أخيكم وعقوق أبيكم فأخذتم أخاكم وطرحتموه في الجب، ثم قلتم لأبيكم إن الذئب أكله وأنتم كاذبون، ثم بعتموه بعشرين درهما، ثم بعد المدة الطويلة والزمان الممتد ما زال الحقد والغضب عن قلوبكم فرميتموه بالسرقة.
ثم قال تعالى: * (والله أعلم بما تصفون) * يريد أن سرقة يوسف كانت رضا لله، وبالجملة فهذه الوجوه المذكورة في سرقته لا يوجب شيء منها عود الذم واللوم إليه، والمعنى: والله أعلم بأن هذا الذي وصفتموه به هل يوجب عود مذمة إليه أم لا.
قوله تعالى * (قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين * قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنآ إذا لظالمون) *.
اعلم أنه تعالى بين أنهم بعد الذي ذكروه من قولهم: * (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) * (يوسف: 77) أحبوا موافقته والعدول إلى طريقة الشفاعة فإنهم وإن كانوا قد اعترفوا أن حكم الله تعالى في السارق أن يستعبد، إلا أن العفو وأخذ الفداء كان أيضا جائزا، فقالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا أي في السن، ويجوز أن يكون في القدر والدين، وإنما ذكروا ذلك لأن كونه ابنا لرجل كبير القدر