المسألة الثانية: قال الكلبي: هن أربع، امرأة ساقي العزيز. وامرأة خبازه وامرأة صاحب سجنه. وامرأة صاحب دوابه، وزاد مقاتل وامرأة الحاجب. والأشبه أن تلك الواقعة شاعت في البلد واشتهرت وتحدث بها النساء. وامرأة العزيز هي هذه المرأة المعلومة * (تراود فتاها عن نفسه) * الفتى الحدث الشاب والفتاة الجارية الشابة * (قد شغفها حبا) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: أن الشغاف فيه وجوه: الأول: أن الشغاف جلدة محيطة بالقلب يقال لها غلاف القلب يقال شغفت فلانا إذا أصبت شغافه كما تقول كبدته أي أصبت كبده فقوله: * (شغفها حبا) * أي دخل الحب الجلد حتى أصاب القلب. والثاني: أن حبه أحاط بقلبها مثل إحاطة الشغاف بالقلب، ومعنى إحاطة ذلك الحب بقلبها هو أن اشتغالها بحبه صار حجابا بينها وبين كل ما سوى هذه المحبة فلا تعقل سواه ولا يخطر ببالها إلا إياه. والثالث: قال الزجاج: الشغاف حبة القلب وسويداء القلب. والمعنى: أنه وصل حبه إلى سويداء قلبها، وبالجملة فهذا كناية عن الحب الشديد والعشق العظيم.
المسألة الثانية: قرأ جماعة من الصحابة والتابعين * (شعفها) * بالعين. قال ابن السكيت: يقال شعفه الهوى إذا بلغ إلى حد الاحتراق، وشعف الهناء البعير إذا بلغ منه الألم إلى حد الاحتراق، وكشف أبو عبيدة عن هذا المعنى فقال: الشعف بالعين إحراق الحب القلب مع لذة يجدها، كما أن البعير إذا هنئ بالقطران يبلغ منه مثل ذلك ثم يستروح إليه. وقال ابن الأنباري: الشعف رؤوس الجبال، ومعنى شعف بفلان إذا ارتفع حبه إلى أعلى المواضع من قلبه. المسألة الثالثة: قوله: * (حبها) * نصب على التمييز.
ثم قال: * (إنا لنراها في ضلال مبين) * أي في ضلال عن طريق الرشد بسبب حبها إياه كقوله: * (إن أبانا لفي ضلال مبين) * (يوسف: 8).
ثم قال تعالى: * (فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكئا) * وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: المراد من قوله: * (فلما سمعت بمكرهن) * أنها سمعت قولهن وإنما سمي قولهن مكرا لوجوه: الأول: أن النسوة إنما ذكرت ذلك الكلام استدعاء لرؤية يوسف عليه السلام والنظر إلى وجهه لأنهن عرفن أنهن إذا قلن ذلك عرضت يوسف عليهن ليتمهد عذرها عندهن. الثاني: أن امرأة العزيز أسرت إليهن حبها ليوسف وطلبت منهن كتمان هذا السر، فلما أظهرن السر كان ذلك غدرا ومكرا. الثالث: أنهن وقعن في غيبتها، والغيبة إنما تذكر على سبيل الخفية فأشبهت المكر.