والحلم والعقل والفضل والحسن والملك، واحتج بعضهم بهذه الآية على أن إخوته ما كانوا أنبياء، لأن جميع المناصب التي تكون مغايرة لمنصب النبوة كالعدم بالنسبة إليه فلو شاركوه في منصب النبوة لما قالوا: * (تالله لقد آثرك الله علينا) * وبهذا التقدير يذهب سؤال من يقول لعل المراد كونه زائدا عليهم في الملك وأحوال الدنيا وإن شاركوه في النبوة لأنا بينا أن أحوال الدنيا لا يعبأ بها في جنب منصب النبوة.
وأما قوله: * (وإن كنا لخاطئين) * قيل الخاطئ هو الذي أتى بالخطيئة عمدا وفرق بين الخاطئ والمخطئ، فلهذا الفرق يقال لمن يجتهد في الأحكام فلا يصيب إنه مخطئ، ولا يقال إنه خاطئ وأكثر المفسرين على أن الذي اعتذروا منه هو إقدامهم على إلقائه في الجب وبيعه وتبعيده عن البيت والأب، وقال أبو علي الجبائي: إنهم لم يعتذروا إليه من ذلك، لأن ذلك وقع منهم قبل البلوغ فلا يكون ذنبا فلا يعتذر منه، وإنما اعتذروا من حيث إنهم أخطؤا بعد ذلك بأن لم يظهروا لأبيهم ما فعلوه، ليعلم أنه حي وأن الذئب لم يأكله وهذا الكلام ضعيف من وجوه:
الوجه الأول: أنا بينا أنه لا يجوز أن يقال إنهم أقدموا على تلك الأعمال في زمن الصبا لأنه من البعيد في مثل يعقوب أن يبعث جمعا من الصبيان غير البالغين من غير أن يبعث معهم رجلا عاقلا يمنعهم عما لا ينبغي ويحملهم على ما ينبغي.
الوجه الثاني: هب أن الأمر على ما ذكره الجبائي إلا أنا نقول غاية ما في الباب أنه لا يجب الاعتذار عن ذلك إلا أنه يمكن أن يقال إنه يحسن الاعتذار عنه، والدليل عليه أن المذنب إذا تاب زال عقابه ثم قد يعيد التوبة والاعتذار مرة أخرى، فعلمنا أن الإنسان أيضا قد يتوب عند ما لا تكون التوبة واجبة عليه.
واعلم أنهم لما اعترفوا بفضله عليهم وبكونهم مجرمين خاطئين قال يوسف: * (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم) * وفيه بحثان:
البحث الأول: التثريب التوبيخ ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: " إذا زنت أمة أحدكم فليضربها الحد ولا يثربها " أي ولا يعيرها بالزنا، فقوله: * (لا تثريب) * أي لا توبيخ ولا عيب وأصل التثريب من الثرب وهو الشحم الذي هو غاشية الكرش. ومعناه إزالة الثرب كما أن التجليد إزالة الجلد قال عطاء الخراساني طلب الحوائج إلى الشباب أسهل منها إلى الشيوخ ألا ترى إلى قول يوسف عليه السلام لإخوته * (لا تثريب عليكم) * وقوله يعقوب: * (سوف أستغفر لكم ربي) * (يوسف: 98).
البحث الثاني: إن قوله: * (اليوم) * متعلق بماذا وفيه قولان: