المسألة الخامسة: القائلون بأن الملك أفضل من البشر احتجوا بهذه الآية فقالوا: لا شك إنهن إنما ذكرت هذا الكلام في معرض تعظيم يوسف عليه السلام. فوجب أن يكون إخراجه من البشرية وإدخاله في الملكية سببا لتعظيم شأنه وإعلاء مرتبته، وإنما يكون الأمر كذلك لو كان الملك أعلى حالا من البشر، ثم نقول: لا يخلو إما أن يكون المقصود بيان كمال حاله في الحسن الذي هو الخلق الظاهر، أو كمال حاله في الحسن الذي هو الخلق الباطن، والأول باطل لوجهين: الأول: أنهم وصفوه بكونه كريما، وإنما يكون كريما بسبب الأخلاق الباطنة لا بسبب الخلقة الظاهرة، والثاني: أنا نعلم بالضرورة أن وجه الإنسان لا يشبه وجوه الملائكة البتة. أما كونه بعيدا عن الشهوة والغضب معرضا عن اللذات الجسمانية متوجها إلى عبودية الله تعالى مستغرق القلب، والروح فيه فهو أمر مشترك فيه بين الإنسان الكامل وبين الملائكة.
وإذا ثبت هذا فنقول: تشبيه الإنسان بالملك في الأمر الذي حصلت المشابهة فيه على سبيل الحقيقة أولى من تشبيهه بالملك فيما لم تحصل المشابهة فيه البتة، فثبت أن تشبيه يوسف عليه السلام بالملك في هذه الآية إنما وقع في الخلق الباطن، لا في الصورة الظاهرة، وثبت أنه متى كان الأمر كذلك وجب أن يكون الملك أعلى حالا من الإنسان من هذه الفضائل، فثبت أن الملك أفضل من البشر والله أعلم.
المسألة السادسة: لغة أهل الحجاز إعمال " ما " عمل ليس وبها ورد قوله: * (ما هذا بشرا) * ومنها قوله: * (ما هن أمهاتهم) * (المجادلة: 2) ومن قرأ على لغة بني تميم. قرأ * (ما هذا بشر) * وهي قراءة ابن مسعود وقرئ * (ما هذا بشرا) * أي ما هو بعبد مملوك للبشر * (إن هذا إلا ملك كريم) * ثم نقول: ما هذا بشرا، أي حاصل بشرا بمعنى هذا مشترى، وتقول: هذا لك بشرا أم بكرا، والقراءة المعتبرة هي الأولى لموافقتها المصحف، ولمقابلة البشر للملك.
قوله تعالى * (قالت فذلكن الذى لمتننى فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل مآ ءامره ليسجنن وليكونا من الصاغرين) *.
اعلم أن النسوة لما قلن في امرأة العزيز قد شغفها حبا إنا لنراها في ضلال مبين، عظم ذلك