عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أما قوله: * (اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا) * (يوسف: 93) فإن نمروذ الجبار لما ألقى إبراهيم في النار نزل عليه جبريل عليه السلام بقميص من الجنة وطنفسة من الجنة فألبسه القميص وأجلسه على الطنفسة وقعد معه يحدثه، فكسا إبراهيم عليه السلام ذلك القميص إسحاق وكساه إسحق يعقوب وكساه يعقوب يوسف فجعله في قصبة من فضة وعلقها في عنقه فألقى في الجب القميص في عنقه فذلك قوله: * (اذهبوا بقميصي هذا) * والتحقيق أن يقال: إنه تعالى أوصل تلك الرائحة إليه على سبيل إظهار المعجزات لا وصول الرائحة إليه من هذه المسافة البعيدة أمر مناقض للعادة فيكون معجزة ولا بد من كونها معجزة لأحدهما والأقرب أنه ليعقوب عليه السلام حين أخبر عنه ونسبوه في هذا الكلام إلى ما لا ينبغي، فظهر أن الأمر كما ذكر فكان معجزة له. قال أهل المعاني: إن الله تعالى أوصل إليه ريح يوسف عليه السلام عند انقضاء مدة المحنة ومجئ وقت الروح والفرح من المكان البعيد ومنع من وصول خبره إليه مع قرب إحدى البلدتين من الأخرى في مدة ثمانين سنة وذلك يدل على أن كل سهل فهو في زمان المحنة صعب وكل صعب فهو في زمان الإقبال سهل ومعنى: لأجد ريح يوسف أشم وعبر عنه بالوجود لأنه وجدان له بحاسة الشم، وقوله: * (لولا أن تفندون) * قال أبو بكر ابن الأنباري: أفند الرجل إذا حزن وتغير عقله وفند إذا جهل ونسب ذلك إليه، وعن الأصمعي إذا كثر كلام الرجل من خرف فهو المفند قال صاحب " الكشاف ": يقال شيخ مفند ولا يقال عجوز مفندة، لأنها لم يكن في شبيبتها ذات رأي حتى تفند في كبرها فقوله: * (لولا أن تفندون) * أي لولا أن تنسبوني إلى الخرف، ولما ذكر يعقوب ذلك قال الحاضرون عنده: * (تالله إنك لفي ضلالك القديم) * وفي الضلال ههنا وجوه: الأول: قال مقاتل: يعني بالضلال ههنا الشقاء، يعني شقاء الدنيا والمعنى: إنك لفي شقائك القديم بما تكابد من الأحزان على يوسف، واحتج مقاتل بقوله: * (إنا إذا لفي ضلال وسعر) * (القمر: 24) يعنون لفي شقاء دنيانا، وقال قتادة: لفي ضلالك القديم، أي لفي حبك القديم لا تنساه ولا تذهل عنه وهو كقولهم: * (إن أبانا لفي ضلال مبين) * (يوسف: 8) ثم قال قتادة: قد قالوا كلمة غليظة ولم يكن يجوز أن يقولوها لنبي الله، وقال الحسن إنما خاطبوه بذلك لاعتقادهم أن يوسف قد مات وقد كان يعقوب في ولوعه بذكره، ذاهبا عن الرشد والصواب وقوله: * (فلما أن جاء البشير) * في " أن " قولان: الأول: أنه لا موضع لها من الإعراب وقد تذكر تارة كما ههنا، وقد تحذف كقوله: * (فلما ذهب عن إبراهيم الروع) * (هود: 74) والمذهبان جميعا موجودان في أشعار العرب. والثاني: قال البصريون هي مع " ما " في موضع رفع بالفعل المضمر تقديره: فلما ظهر أن جاء البشير، أي ظهر مجيء البشير فأضمر الرافع قال جمهور المفسرين البشير هو يهودا قال أنا ذهبت بالقميص الملطخ بالدم وقلت إن يوسف أكله
(٢٠٨)