التقدير: نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا من العذاب النازل بقومه ومن الخزي الذي لزمهم وبقي العار فيه مأثورا عنهم ومنسوبا إليهم، لأن معنى الخزي العيب الذي تظهر فضيحته ويستحيا من مثله فحذف ما حذف اعتمادا على دلالة ما بقي عليه. الثاني: أن يكون التقدير: نجينا صالحا برحمة منا ونجيناهم من خزي يومئذ.
المسألة الثانية: قرأ الكسائي ونافع في رواية ورش وقالون وإحدى الروايات عن الأعشى * (يومئذ) * بفتح الميم، وفي المعارج * (عذاب يومئذ) * (المعارج: 11) والباقون بكسر الميم فيهما فمن قرأ بالفتح فعلى أن يوم مضاف إلى إذ وأن إذ مبني، والمضاف إلى المبني يجوز جعله مبنيا ألا ترى أن المضاف يكتسب من المضاف إليه التعريف والتنكير فكذا ههنا، وأما الكسر في إذ فالسبب أنه يضاف إلى الجملة من المبتدأ والخبر تقول: جئتك إذ الشمس طالعة، فلما قطع عن المضاف إليه نون ليدل التنوين على ذلك ثم كسرت الذال لسكونها وسكون التنوين، وأما القراءة بالكسر فعلى إضافة الخزي إلى اليوم ولم يلزم من إضافته إلى المبني أن يكون مبنيا لأن هذه الإضافة غير لازمة.
المسألة الثالثة: الخزي الذل العظيم حتى يبلغ حد الفضيحة ولذلك قال تعالى في المحاربين * (ذلك لهم خزي في الدنيا) * (المائدة: 33) وإنما سمى الله تعالى ذلك العذاب خزيا لأنه فضيحة باقية يعتبر بها أمثالهم ثم قال: * (إن ربك هو القوي العزيز) * وإنما حسن ذلك، لأنه تعالى بين أنه أوصل ذلك العذاب إلى الكافر وصان أهل الإيمان عنه، وهذا التمييز لا يصح إلا من القادر الذي يقدر على قهر طبائع الأشياء فيجعل الشيء الواحد بالنسبة إلى إنسان بلاء وعذابا وبالنسبة إلى إنسان آخر راحة وريحانا ثم إنه تعالى بين ذلك الأمر فقال: * (وأخذ الذين ظلموا) * وفيه مسألتان: المسألة الأولى: إنما قال: * (أخذ) * ولم يقل أخذت لأن الصيحة محمولة على الصياح، وأيضا فصل بين الفعل والاسم المؤنث بفاصل، فكان الفاصل كالعوض من تاء التأنيث، وقد سبق لها نظائر.
المسألة الثانية: ذكروا في الصيحة وجهين. قال ابن عباس رضي الله عنهما: المراد الصاعقة الثاني: الصيحة صيحة عظيمة هائلة سمعوها فماتوا أجمع منها فأصبحوا وهم موتى جاثمين في دورهم ومساكنهم، وجثومهم سقوطهم على وجوههم، يقال إنه تعالى أمر جبريل عليه السلام أن يصيح بهم تلك الصيحة التي ماتوا بها، ويجوز أن يكون الله تعالى خلقها، والصياح لا يكون إلا الصوت الحادث في حلق وفم وكذلك الصراخ، فإن كان من فعل الله تعالى فقد خلقه في حلق حيوان وإن كان فعل جبريل عليه السلام فقد حصل في فمه وحلقه، والدليل عليه أن صوت الرعد أعظم من كل صيحة ولا يسمى بذلك ولا بأنه صراخ.