بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) * (المائدة: 44) وبالإجماع لا يكفر فثبت أن الحكم المثبت بالقياس غير نازل من عند الله. وإذا كان كذلك وجب أن لا يكون حقا لأجل أن قوله: * (والذي أنزل إليك من ربك الحق) * يقتضي أنه لا حق إلا ما أنزله الله فكل ما لم ينزله الله وجب أن لا يكون حقا، وإذا لم يكن حقا وجب أن يكون باطلا لقوله تعالى: * (فماذا بعد الحق إلا الضلال) * (يونس: 32) ومثبتو القياس يجيبون عنه بأن الحكم المثبت بالقياس نازل أيضا من عند الله، لأنه لما أمر بالعمل بالقياس كان الحكم الذي دل عليه القياس نازلا من عند الله. ولما ذكر تعالى أن المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم هو الحق بين أن أكثر الناس لا يؤمنون به على سبيل الزجر والتهديد.
قوله تعالى * (الله الذى رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجرى لأجل مسمى يدبر الامر يفصل لآيات لعلكم بلقآء ربكم توقنون) *.
اعلم أنه تعالى لما ذكر أن أكثر الناس لا يؤمنون ذكر عقيبه ما يدل على صحة التوحيد والمعاد وهو هذه الآية وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال صاحب " الكشاف ": الله مبتدأ والذي رفع السماوات خبره بدليل قوله: * (وهو الذي مد الأرض) * (الرعد: 3) ويجوز أن يكون الذي رفع السماوات صفة وقوله: * (يدبر الأمر يفصل الآيات) * خبرا بعد خبر، وقال الواحدي: العمد الأساطين وهو جمع عماد يقال عماد وعمد مثل إهاب وأهب، وقال الفراء: العمد والعمد جمع العمود مثل أديم وادم وادم، وقضيم وقضم وقضم، والعماد والعمود ما يعمد به الشيء، ومنه يقال: فلان عمد قومه إذا كانوا يعتمدونه فيما بينهم.
المسألة الثانية: اعلم أنه تعالى استدل بأحوال السماوات وبأحوال الشمس والقمر وبأحوال الأرض وبأحوال النبات، أما الاستدلال بأحوال السماوات بغير عمد ترونها فالمعنى: أن هذه الأجسام العظيمة بقيت واقفة في الجو العالي ويستحيل أن يكون بقاؤها هناك لأعيانها ولذواتها لوجهين: الأول: أن الأجسام متساوية في تمام الماهية ولو وجب حصول جسم في حيز معين لوجب حصول كل جسم في ذلك الحين. والثاني: أن الخلاء لا نهاية له والأحياز المعترضة في ذلك