واعلم أن الذين ألزمه ثمامة باطل بنص هذه الآية، وذلك لأنه تعالى بين أن عدم الإشراك من فضل الله، ثم بين أن أكثر الناس لا يشكرون هذه النعمة، وإنما ذكره على سبيل الذم فدل هذا على أنه يجب على كل مؤمن أن يشكر الله تعالى على نعمة الإيمان وحينئذ تقوى الحجة وتكمل الدلالة. قال القاضي قوله: * (ذلك) * إن جعلناه إشارة إلى التمسك بالتوحيد فهو من فضل الله تعالى لأنه إنما حصل بألطافه وتسهيله، ويحتمل أن يكون إشارة إلى النبوة.
والجواب: أن ذلك إشارة إلى المذكور السابق، وذاك هو ترك الإشراك فوجب أن يكون ترك الإشراك من فضل الله تعالى، والقاضي يصرفه إلى الألطاف والتسهيل، فكان هذا تركا للظاهر وأما صرفه إلى النبوة فبعيد، لأن اللفظ الدال على الإشارة يجب صرفه إلى أقرب المذكورات وهو ههنا عدم الإشراك.
قوله تعالى * (يا صاحبى السجن ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار * ما تعبدون من دونه إلا أسمآء سميتموهآ أنتم وءابآؤكم مآ أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: قوله: * (يا صاحبي السجن) * يريد صاحبي في السجن، ويحتمل أيضا أنه لما حصلت مرافقتهما في السجن مدة قليلة أضيفا إليه وإذا كانت المرافقة القليلة كافية في كونه صاحبا فمن عرف الله وأحبه طول عمره أولى بأن يبقى عليه اسم المؤمن العارف المحب.
المسألة الثانية: اعلم أنه عليه السلام لما ادعى النبوة في الآية الأولى وكان إثبات النبوة مبنيا على إثبات الإلهيات لا جرم شرع في هذه الآية في تقرير الإلهيات، ولما كان أكثر الخلق مقرين بوجود الإله العالم القادر وإنما الشأن في أنهم يتخذون أصناما على صورة الأرواح الفلكية