بالفعل، وتخصيص ما لا ينبغي بالترك، فثبت أن كونه مكينا لا يحصل إلا بالقدرة والعلم. أما كونه أمينا فهو عبارة عن كونه حكيما لا يفعل الفعل لداعي الشهوة بل إنما يفعله لداعي الحكمة، فثبت أن كونه مكينا أمينا يدل على كونه قادرا، وعلى كونه عالما بمواقع الخير والشر والصلاح والفساد، وعلى كونه بحيث يفعل لداعي الحكمة لا لداعية الشهوة، وكل من كان كذلك فإنه لا يصدر عنه فعل الشر والسفه فلهذا المعنى لما حاولت المعتزلة إثبات أنه تعالى لا يفعل القبيح قالوا إنه تعالى لا يفعل القبيح لأنه تعالى عالم بقبح القبيح عالم بكونه غنيا عنه وكل من كان كذلك لم يفعل القبيح قالوا: وإنما يكون غنيا عن القبيح إذا كان قادرا، وإذا كان منزها عن داعية السفه فثبت أن وصفه بكونه مكينا أمينا نهاية ما يمكن ذكره في هذا الباب ثم حكى تعالى أن يوسف عليه السلام قال في هذا المقام * (اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال المفسرون: لما عبر يوسف عليه السلام رؤيا الملك بين يديه قال له الملك: فما ترى أيها الصديق قال: أرى أن تزرع في هذه السنين المخصبة زرعا كثيرا وتبني الخزائن وتجمع فيها الطعام فإذا جاءت السنون المجدبة بعنا الغلات فيحصل بهذا الطريق مال عظيم فقال الملك ومن لي بهذا الشغل فقال يوسف: * (اجعلني على خزائن الأرض) * أي على خزائن أرض مصر وأدخل الألف واللام على الأرض، والمراد منه المعهود السابق. روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآية أنه قال: " رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لأستعمله من ساعته لكنه لما قال ذلك أخره عنه سنة " وأقول هذا من العجائب لأنه لما تأبى عن الخروج من السجن سهل الله عليه ذلك على أحسن الوجوه ولما تسارع في ذكر الالتماس أخر الله تعالى ذلك المطلوب عنه وهذا يدل على أن ترك التصرف والتفويض بالكلية إلى الله تعالى أولى.
المسألة الثانية: لقائل أن يقول: لم طلب يوسف الإمارة والنبي عليه الصلاة والسلام قال لعبد الرحمن بن سمرة: " لا تسأل الإمارة " وأيضا فكيف طلب الإمارة من سلطان كافر، وأيضا لم لم يصبر مدة ولم أظهر الرغبة في طلب الأمارة في الحالة، وأيضا لم طلب أمر الخزائن في أول الأمر، مع أن هذا يورث نوع تهمة وأيضا كيف جوز من نفسه مدح نفسه بقوله: * (إني حفيظ عليم) * مع أنه تعالى يقول: * (فلا تزكوا أنفسكم) * (النجم: 32) وأيضا فما الفائدة في قوله: * (إني حفيظ عليم) * وأيضا لم ترك الاستثناء في هذا فإن الأحسن أن يقول: إني حفيظ عليم إن شاء الله بدليل قوله تعالى: * (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا * إلا أن يشاء الله) * (الكهف: 23، 24) فهذه أسئلة سبعة لا بد من جوابها فنقول: الأصل في جواب هذه