هكذا فكيف تعجبوا في حقك يا محمد والآية تدل على أن الله ما بعث رسولا إلى الحق من النسوان وأيضا لم يبعث رسولا من أهل البادية. قال عليه الصلاة والسلام: " من بدا جفا ومن اتبع الصيد غفل ".
ثم قال: * (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا) * إلى مصارع الأمم المكذبة وقوله: * (ولدار الآخرة خير) * والمعنى دار الحالة الآخرة، لأن للناس حالتين حال الدنيا وحال الآخرة، ومثله قوله صلاة الأولى أي صلاة الفريضة الأولى، وأما بيان أن الآخرة خير من الأولى فقد ذكرنا دلائله مرارا.
قوله تعالى * (حتى إذا استياس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جآءهم نصرنا فنجى من نشآء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين) *.
اعلم أنه قرأ عاصم وحمزة والكسائي * (كذبوا) * بالتخفيف، وكسر الذال والباقون بالتشديد، ومعنى التخفيف من وجهين: أحدهما: أن الظن واقع بالقوم، أي حتى إذا استيأس الرسل من إيمان القوم فظن القوم أن الرسل كذبوا فيما وعدوا من النصر والظفر.
فإن قيل: لم يجر فيما سبق ذكر المرسل إليهم فكيف يحسن عود هذا الضمير إليهم.
قلنا: ذكر الرسل يدل على المرسل إليهم وإن شئت قلت أن ذكرهم جرى في قوله: * (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم) * (يوسف: 109) فيكون الضمير عائدا إلى الذين من قبلهم من مكذبي الرسل والظن ههنا بمعنى التوهم والحسبان.
والوجه الثاني: أن يكون المعنى أن الرسل ظنوا أنهم قد كذبوا فيما وعدوا وهذا التأويل منقول عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنهما قالوا: وإنما كان الأمر كذلك لأجل ضعف البشرية إلا أنه بعيد، لأن المؤمن لا يجوز أن يطن بالله الكذب، بل يخرج بذلك عن الإيمان فكيف يجوز مثله على الرسل، وأما قراءة التشديد ففيها وجهان: الأول: أن الظن بمعنى اليقين، أي وأيقنوا أن الأمم كذبوهم تكذيبا لا يصدر منهم الإيمان بعد ذلك، فحينئذ دعوا عليهم فهنالك أنزل الله سبحانه عليهم عذاب الاستئصال، وورود الظن بمعنى العلم كثير في القرآن قال تعالى: * (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم) * (البقرة: 46) أي يتيقنون ذلك. والثاني: أن يكون الظن بمعنى الحسبان والتقدير