* (أو آوى إلى ركن شديد) * هو أن لا يكون له قدرة على الدفع لكنه يقدر على التحصن بحصن ليأمن من شرهم بواسطته. الثالث: أنه لما شاهد سفاهة القوم وإقدامهم على سوء الأدب تمنى حصول قوة قوية على الدفع، ثم استدرك على نفسه وقال: بلى الأولى أن آوى إلى ركن شديد وهو الاعتصام بعناية الله تعالى، وعلى هذا التقدير فقوله: * (أو آوي إلى ركن شديد) * كلام منفصل عما قبله ولا تعلق له به، وبهذا الطريق لا يلزم عطف الفعل على الاسم، ولذلك قال النبي عليه السلام: " رحم الله أخي لوطا كان يأوي إلى ركن شديد ".
قوله تعالى * (قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من اليل ولا يلتفت منكم أحد إلا مرأتك إنه مصيبها مآ أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب) *.
اعلم أن قوله تعالى مخبرا عن لوط عليه السلام أنه قال: * (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) * (هود: 80) يدل على أنه كان في غاية القلق والحزن بسبب إقدام أولئك الأوباش على ما يوجب الفضيحة في حق أضيافه، فلما رأت الملائكة تلك الحالة بشروه بأنواع من البشارات: أحدها: أنهم رسل الله. وثانيها: أن الكفار لا يصلون إلى ما هموا به. وثالثها: أنه تعالى يهلكهم. ورابعها: أنه تعالى ينجيه مع أهله من ذلك العذاب. وخامسها: إن ركنك شديد وإن ناصرك هو الله تعالى فحصل له هذه البشارات، وروي أن جبريل عليه السلام قال له إن قومك لن يصلوا إليك فافتح الباب فدخلوا فضرب جبريل عليه السلام بجناحه وجوههم فطمس أعينهم فأعماهم فصاروا لا يعرفون الطريق ولا يهتدون إلى بيوتهم، وذلك قوله تعالى: * (ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم) * (القمر: 37) ومعنى قوله: * (لن يصلوا إليك) * أي بسوء ومكروه فإنا نحول بينهم وبين ذلك. ثم قال: * (فأسر بأهلك) * قرأ نافع وابن كثير * (فأسر) * موصولة والباقون بقطع الألف وهما لغتان، يقال سريت بالليل وأسريت وأنشد حسان: أسرت إليك ولم تكن تسري