وأبو بكر حين استخلف عمر.
ثم قال تعالى: * (والله غالب على أمره) * وفيه وجهان: الأول: غالب على أمر نفسه لأنه فعال لما يريد لا دافع لقضائه ولا مانع عن حكمه في أرضه وسمائه، والثاني: والله غالب على أمر يوسف، يعني أن انتظام أموره كان إلهيا، وما كان بسعيه وإخوته أرادوا به كل سوء ومكروه والله أراد به الخير، فكان كما أراد الله تعالى ودبر، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الأمر كله بيد الله. واعلم أن من تأمل في أحوال الدنيا وعجائب أحوالها عرف وتيقن أن الأمر كله لله، وأن قضاء الله غالب.
قوله تعالى * (ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين) *.
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: وجه النظم أن يقال: بين تعالى أن إخوته لما أساؤا إليه، ثم إنه صبر على تلك الشدائد والمحن مكنه الله تعالى في الأرض، ثم لما بلغ أشده آتاه الله الحكم والعلم، والمقصود بيان أن جميع ما فاز به من النعم كان كالجزاء على صبره على تلك المحن، ومن الناس من قال: إن النبوة جزاء على الأعمال الحسنة، ومنهم من قال: إن من اجتهد وصبر على بلاء الله تعالى وشكر نعماء الله تعالى وجد منصب الرسالة. واحتجوا على صحة قولهم: بأنه تعالى لما ذكر صبر يوسف على تلك المحن ذكر أنه أعطاه النبوة والرسالة. ثم قال تعالى: * (وكذلك نجزي المحسنين) * وهذا يدل على أن كل من أتى بالطاعات الحسنة التي أتى بها يوسف، فإن الله يعطيه تلك المناصب، وهذا بعيد لاتفاق العلماء على أن النبوة غير مكتسبة.
واعلم أن من قال: إن يوسف ما كان رسولا ولا نبيا البتة، وإنما كان عبدا أطاع الله تعالى فأحسن الله إليه، وهذا القول باطل بالإجماع. وقال الحسن: إنه كان نبيا من الوقت الذي قال الله تعالى في حقه: * (وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا) * (يوسف: 15) وما كان رسولا، ثم إنه صار رسولا من هذا الوقت أعني قوله: * (ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما) * (يوسف: 22) ومنهم من قال: إنه كان رسولا من الوقت الذي ألقى في غيابة الجب.
المسألة الثانية: قال أبو عبيدة تقول العرب بلغ فلان أشده إذا انتهى منتهاه في شبابه وقوته قبل أن يأخذ في النقصان وهذا اللفظ يستعمل في الواحد والجمع يقال بلغ أشده وبلغوا أشدهم، وقد ذكرنا تفسير الأشد في سورة الأنعام عند قوله: * (حتى يبلغ أشده) * (الأنعام: 152) وأما التفسير فروى ابن جرير عن مجاهد عن ابن عباس، ولما بلغ أشده قال ثلاثا وثلاثين سنة، وأقول هذه الرواية شديدة