حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم فظن الرسل أن الذين آمنوا بهم كذبوهم وهذا التأويل منقول عن عائشة رضي الله عنها وهو أحسن الوجوه المذكورة في الآية، روي أن ابن أبي مليكة نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: وظن الرسل أنهم كذبوا، لأنهم كانوا بشرا ألا ترى إلى قوله: * (حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله) * (البقرة: 214) قال فذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها فأنكرته وقالت: ما وعد الله محمدا صلى الله عليه وسلم شيئا إلا وقد علم أنه سيوفيه ولكن البلاء لم يزل بالأنبياء حتى خافوا من أن يكذبهم الذين كانوا قد آمنوا بهم وهذا الرد والتأويل في غاية الحسن من عائشة.
وأما قوله: * (جاءهم نصرنا) * أي لما بلغ الحال إلى الحد المذكور * (جاءهم نصرنا فنجي من نشاء) * قرأ عاصم وابن عامر * (فنجي من نشاء) * بنون واحدة وتشديد الجيم وفتح الياء على ما لم يسم فاعله، واختاره أبو عبيدة لأنه في المصحف بنون واحدة. وروي عن الكسائي: إدغام إحدى النونين في الأخرى وقرأ بنون واحدة وتشديد الجيم وسكون الياء، قال بعضهم: هذا خطأ لأن النون متحركة فلا تدغم في الساكن، ولا يجوز إدغام النون في الجيم، والباقون بنونين، وتخفيف الجيم وسكون الياء على معنى: ونحن نفعل بهم ذلك.
واعلم أن هذا حكاية حال، ألا ترى أن القصة فيما مضى، وإنما حكى فعل الحال كما أن قوله: * (من شيعته وهذا من عدوه) * (القصص: 15) إشارة إلى الحاضر والقصة ماضية.
قوله تعالى * (لقد كان فى قصصهم عبرة لاولى الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذى بين يديه وتفصيل كل شىء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) *.
اعلم أن الاعتبار عبارة عن العبور من الطرف المعلوم إلى الطرف المجهول، والمراد منه التأمل والتفكر، ووجه الاعتبار بقصصهم أمور: الأول: أن الذي قدر على إعزاز يوسف بعد إلقائه في الجب، وإعلائه بعد حبسه في السجن وتمليكه مصر بعد أن كانوا يظنون به أنه عبد لهم، وجمعه مع والديه وإخوته على ما أحب بعد المدة الطويلة، لقادر على إعزاز محمد صلى الله عليه وسلم وإعلاء كلمته. الثاني: أن الإخبار عنه جار مجرى الإخبار عن الغيب، فيكون معجزة دالة على صدق