قلنا: لوجوه: أحدها: أنهم كبروا ومالوا إلى الخير والصلاح، وثانيها: أنه كان يشاهد أنه ليس بينهم وبين بنيامين من الحسد والحقد مثل ما كان بينهم وبين يوسف عليه السلام، وثالثها: أن ضرورة القحط أحوجته إلى ذلك، ورابعها: لعله تعالى أوحى إليه وضمن حفظه وإيصاله إليه.
فإن قيل: هل يدل قوله: * (فالله خير حافظا) * على أنه أذن في ذهاب ابنه بنيامين في ذلك الوقت.
قلنا: الأكثرون قالوا: يدل عليه. وقال آخرون: لا يدل عليه، وفيه وجهان: الأول: التقدير أنه لو أذن في خروجه معهم لكان في حفظ الله لا في حفظهم. الثاني: أنه لما ذكر يوسف قال: * (فالله خير حافظا) * أي ليوسف لأنه كان يعلم أنه حي.
قوله تعالى * (ولما فتحوا متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم قالوا يا أبانا ما نبغى هذه بضاعتنا ردت إلينا ونمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير ذلك كيل يسير) *.
اعلم أن المتاع ما يصلح لأن يستمتع به وهو عام في كل شيء، ويجوز أن يراد به ههنا الطعام الذي حملوه، ويجوز أن يراد به أوعية الطعام.
ثم قال: * (وجدوا بضاعتهم ردت إليهم) * واختلف القراء في * (ردت) * فالأكثرون بضم الراء، وقرأ علقمة بكسر الراء. قال صاحب " الكشاف ": كسرة الدال المدغمة نقلت إلى الراء كما في قيل وبيع. وحكى قطرب أنهم قالوا في قولنا: ضرب زيد على نقل كسرة الراء فيمن سكنها إلى الضاد. وأما قوله: * (ما نبغي) * ففي كلمة * (ما) * قولان:
القول الأول: أنها للنفي، وعلى هذا التقدير ففيه وجوه: الأول: أنهم كانوا قد وصفوا يوسف بالكرم واللطف وقالوا: إنا قدمنا على رجل في غاية الكرم أنزلنا وأكرمنا كرامة لو كان رجلا من آل يعقوب لما فعل ذلك، فقولهم: * (ما نبغي) * أي بهذا الوصف الذي ذكرناه كذبا ولا ذكر شيء لم يكن. الثاني: أنه بلغ في الإكرام إلى غاية ما وراءها شيء آخر، فإنه بعد أن بالغ في إكرامنا أمر ببضاعتنا فردت إلينا. الثالث: المعنى أنه رد بضاعتنا إلينا، فنحن لا نبغي منك عند رجوعنا إليه بضاعة أخرى، فإن هذه التي معنا كافية لنا.