وأما الوجه الخامس: من الوجوه التي ذكرها شعيب عليه السلام فهو قوله: واستغفروا ربكم من عبادة الأوثان ثم توبوا إليه عن البخس والنقصان إن ربي رحيم بأوليائه ودود. قال أبو بكر الأنباري: الودود في أسماء الله تعالى المحب لعباده، من قولهم وددت الرجل أوده، وقال الأزهري في " كتاب شرح أسماء الله تعالى " ويجوز أن يكون ودود فعولا بمعنى مفعول كركوب وحلوب، ومعناه أن عباده الصالحين يودونه ويحبونه لكثرة إفضاله وإحسانه على الخلق.
واعلم أن هذا الترتيب الذي راعاه شعيب عليه السلام في ذكر هذه الوجوه الخمسة ترتيب لطيف وذلك لأنه بين أولا أن ظهور البينة له وكثرة إنعام الله تعالى عليه في الظاهر والباطن يمنعه عن الخيانة في وحي الله تعالى ويصده عن التهاون في تكاليفه. ثم بين ثانيا أنه مواظب على العمل بهذه الدعوة ولو كانت باطلة لما اشتغل هو بها مع اعترافكم بكونه حليما رشيدا، ثم بين صحته بطريق آخر وهو أنه كان معروفا بتحصيل موجبات الصلاح وإخفاء موجبات الفتن، فلو كانت هذه الدعوة باطلة لما اشتغل بها، ثم لما بين صحة طريقته أشار إلى نفي المعارض وقال لا ينبغي أن تحملكم عداوتي على مذهب ودين تقعون بسببه في العذاب الشديد من الله تعالى، كما وقع فيه أقوام الأنبياء المتقدمين، ثم إنه لما صحح مذهب نفسه بهذه الدلائل عاد إلى تقرير ما ذكره أولا وهو التوحيد والمنع من البخس بقوله: * (ثم توبوا إليه) * ثم بين لهم أن سبق الكفر والمعصية منهم لا ينبغي أن يمنعهم من الإيمان والطاعة لأنه تعالى رحيم ودود يقبل الإيمان والتوبة من الكافر والفاسق لأن رحمته وحبه لهم يوجب ذلك، وهذا التقرير في غاية الكمال.
قوله تعالى * (قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك ومآ أنت علينا بعزيز) *.
اعلم أنه عليه السلام لما بالغ في التقرير والبيان، أجابوه بكلمات فاسدة. فالأول: قولهم: * (يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: لقائل أن يقول: أنه عليه السلام كان يخاطبهم بلسانهم، فلم قالوا: * (ما نفقه) * والعلماء ذكروا عنه أنواعا من الجوابات: فالأول: أن المراد: ما نفهم كثيرا مما تقول، لأنهم