المسألة الثالثة: الضيف ههنا قائم مقام الأضياف، كما قام الطفل مقام الأطفال. في قوله تعالى: * (أو الطفل الذين لم يظهروا) * (النور: 31) ويجوز أن يكون الضيف مصدرا فيستغنى عن جمعه كما يقال: رجال صوم. ثم قال: * (أليس منكم رجل رشيد) * وفيه قولان: الأول: * (رشيد) * بمعنى مرشد أي يقول الحق ويرد هؤلاء الأوباش عن أضيافي. والثاني: رشيد بمعنى مرشد، والمعنى: أليس فيكم رجل أرشده الله تعالى إلى الصلاح. وأسعده بالسداد والرشاد حتى يمنع عن هذا العمل القبيح، والأول أولى.
ثم قال تعالى: * (قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق) * وفيه وجوه: الأول: مالنا في بناتك من حاجة ولا شهوة، والتقدير أن من احتاج إلى شيء فكأنه حصل له فيه نوع حق، فلهذا السبب جعل نفي الحق كناية عن نفي الحاجة. الثاني: أن نجري اللفظ على ظاهره فنقول: معناه إنهن لسن لنا بأزواج ولا حق لنا فيهن البتة. ولا يميل أيضا طبعنا إليهن فكيف قيامهن مقام العمل الذي نريده وهو إشارة إلى العمل الخبيث. الثالث: * (ما لنا في بناتك من حق) * لأنك دعوتنا إلى نكاحهن بشرط الإيمان ونحن لا نجيبك إلى ذلك فلا يكون لنا فيهن حق. ثم إنه تعالى حكى عن لوط أنه عند سماع هذا الكلام قال: * (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: جواب " لو " محذوف لدلالة الكلام عليه والتقدير: لمنعتكم ولبالغت في دفعكم ونظيره قوله تعالى: * (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) * (الرعد: 31) وقوله: * (ولو ترى إذ وقفوا على النار) * (الأنعام: 27) قال الواحدي وحذف الجواب ههنا لأن الوهم يذهب إلى أنواع كثيرة من المنع والدفع.
المسألة الثانية: * (لو أن بكم قوة) * أي لو أن لي ما أتقوى به عليكم وتسمية موجب القوة بالقوة جائز قال الله تعالى: * (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل) * (الأنفال: 60) والمراد السلاح، وقال آخرون القدرة على دفعهم، وقوله: * (أو آوى إلى ركن شديد) * المراد منه الموضع الحصين المنيع تشبيها له بالركن الشديد من الجبل، فإن قيل: ما الوجه ههنا في عطف الفعل على الاسم؟
قلنا: قال صاحب " الكشاف ": قرىء * (أو آوى) * بالنصب بإضمار أن، كأنه قيل لو أن لي بكم قوة أو آويا.
واعلم أن قوله: * (لو أن لي بكم قوة أو آوى إلى ركن شديد) * لا بد من حمل كل واحد من هذين الكلامين على فائدة مستقلة، وفيه وجوه: الأول: المراد بقوله: * (لو أن لي بكم قوة) * كونه بنفسه قادرا على الدفع وكونه متمكنا إما بنفسه وإما بمعاونة غيره على قهرهم وتأديبهم، والمراد بقوله: