انعكس النور الذي في كل واحدة منها إلى الأخرى بسبب تلك الملازمة والمجانسة، فتعظم تلك الأنوار وتقوى تلك الأضواء، ومثال تلك الأحوال المرآة الصقيلة الصافية إذا وضعت وضعا متى أشرقت الشمس عليها انعكس الضوء من كل واحدة منها إلى الأخرى، فهناك يقوى الضوء ويكمل النور، وينتهي في الإشراق والبريق اللمعان إلى حد لا تطيقه العيون والأبصار الضعيفة، فكذا ههنا.
قوله تعالى * (ذلك من أنبآء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون) *.
اعلم أن قوله: * (ذلك) * رفع بالابتداء وخبره * (من أنباء الغيب - نوحيه إليك) * خبر ثان * (وما كنت لديهم) * أي ما كنت عند إخوة يوسف * (إذ أجمعوا أمرهم) * أي عزموا على أمرهم وذكرنا الكلام في هذا اللفظ عند قوله: * (فأجمعوا أمركم) * وقوله: * (وهم يمكرون) * أي بيوسف، واعلم أن المقصد من هذا إخبار عن الغيب فيكون معجزا. بيان إن إخبار عن الغيب أن محمدا صلى الله عليه وسلم ما طالع الكتب ولم يتلمذ لأحد وما كانت البلدة بلدة العلماء فإتيانه بهذه القصة الطويلة على وجه لم يقع فيه تحريف ولا غلط من غير مطالعة ولا تعلم، ومن غير أن يقال: إنه كان حاضرا معهم لا بد وأن يكون معجزا وكيف يكون معجزا وقد سبق تقرير هذه المقدمة في هذا الكتاب مرارا، وقوله: * (وما كنت لديهم) * أي وما كنت هناك ذكر على سبيل التهكم بهم، لأن كل أحد يعلم أن محمدا صلى الله عليه وسلم ما كان معهم.
قوله تعالى * (ومآ أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين * وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين * وكأين من ءاية فى السماوات والارض يمرون عليها وهم عنها معرضون * وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون * أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون) *.