مخبر صادق بأن الله تعالى يقلب هذا الجبل ذهبا إبريزا فلا شك أنه يتعجب نظرا إلى أحوال العادة لا لأجل أنه استنكر قدرة الله تعالى على ذلك.
المسألة الثالثة: قوله: * (وهذا بعلي شيخا) * فاعلم أن شيخا منصوب على الحال، قال الواحدي رحمه الله: وهذا من لطائف النحو وغامضه فإن كلمة هذا للإشارة، فكان قوله: * (وهذا بعلي شيخا) * قائم مقام أن يقال أشير إلى بعلي حال كونه شيخا، والمقصود تعريف هذه الحالة المخصوصة وهي الشيخوخة.
المسألة الرابعة: قرأ بعضهم * (وهذا بعلي شيخ) * على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هذا بعلي وهو شيخ، أو بعلي بدل من المبتدأ وشيخ خبر أو يكونان معا خبرين، ثم حكى تعالى أن الملائكة قالوا: * (أتعجبين من أمر الله) * والمعنى: أنهم تعجبوا من تعجبها، ثم قالوا: * (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت) * والمقصود من هذا الكلام ذكر ما يزيل ذلك التعجب وتقديره: إن رحمة الله عليكم متكاثرة وبركاته لديكم متوالية متعاقبة، وهي النبوة والمعجزات القاهرة والتوفيق للخيرات العظيمة فإذا رأيت أن الله خرق العادات في تخصيصكم بهذه الكرامات العالية الرفيعة وفي إظهار خوارق العادات وإحداث البينات والمعجزات، فكيف يليق به التعجب.
وأما قوله: * (أهل البيت) * فإنه مدح لهم فهو نصب على النداء أو على الاختصاص، ثم أكدوا ذلك بقولهم: * (إنه حميد مجيد) * والحميد هو المحمود وهو الذي تحمد أفعاله، والمجيد الماجد، وهو ذو الشرف والكرم، ومن محامد الأفعال إيصال العبد المطيع إلى مراده ومطلوبه، ومن أنواع الفضل والكرم أن لا يمنع الطالب عن مطلوبه، فإذا كان من المعلوم أنه تعالى قادر على الكل وأنه حميد مجيد، فكيف يبقى هذا التعجب في نفس الأمر فثبت أن المقصود من ذكر هذه الكلمات إزالة التعجب.
قوله تعالى * (فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجآءته البشرى يجادلنا فى قوم لوط * إن إبراهيم لحليم أواه منيب) *.
اعلم أن هذا هو القصة الخامسة وهي قصة لوط عليه السلام، واعلم أن الروع هو الخوف