القول الأول: إنه متعلق بقوله: * (لا تثريب) * أي لا أثر بكم اليوم وهو اليوم الذي هو مظنة التثريب فما ظنكم بسائر الأيام، وفيه احتمال آخر وهو أني حكمت في هذا اليوم بأن لا تثريب مطلقا لأن قوله: * (لا تثريب) * نفي للماهية ونفي الماهية يقتضي انتفاء جميع أفراد الماهية، فكان ذلك مفيدا للنفي المتناول لكل الأوقات والأحوال فتقدير الكلام اليوم حكمت بهذا الحكم العام المتناول لكل الأوقات والأحوال ثم إنه لما بين لهم أنه أزال عنهم ملامة الدنيا طلب من الله أن يزيل عنهم عقاب الآخرة فقال: * (يغفر الله لكم) * والمراد منه الدعاء.
والقول الثاني: أن قوله: * (اليوم) * متعلق بقوله: * (يغفر الله لكم) * كأنه لما نفى التثريب مطلقا بشرهم بأن الله غفر ذنبهم في هذا اليوم، وذلك لأنهم لما انكسروا وخجلوا واعترفوا وتابوا فالله قبل توبتهم وغفر ذنبهم، فلذلك قال: * (اليوم يغفر الله لكم) * روي أن الرسول عليه الصلاة والسلام أخذ بعضادتي باب الكعبة يوم الفتح، وقال لقريش: " ما تروني فاعلا بكم " فقالوا نظن خيرا أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت، فقال: " أقول ما قال أخي يوسف لا تقريب عليكم اليوم " وروي أن أبا سفيان لما جاء ليسلم قال له العباس: إذا أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتل عليه: * (قال لا تثريب عليكم اليوم) * ففعل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " غفر الله لك ولمن علمك " وروي أن إخوة يوسف لما عرفوه أرسلوا إليه إنك تحضرنا في مائدتك بكرة وعشيا ونحن نستحي منك لما صدر منا من الإساءة إليك، فقال يوسف عليه السلام إن أهل مصر وإن ملكت فيهم فإنهم ينظروني بالعين الأولى ويقولون: سبحان من بلغ عبدا بيع بعشرين درهما ما بلغ، ولقد شرفت الآن بإتيانكم وعظمت في العيون لما جئتم وعلم الناس أنكم إخوتي وإني من حفدة إبراهيم عليه السلام.
ثم قال يوسف عليه السلام: * (اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا) * قال المفسرون: لما عرفهم يوسف سألهم عن أبيه فقالوا ذهبت عيناه، فأعطاهم قميصه، قال المحققون: إنما عرف أن إلقاء ذلك القميص على وجهه يوجب قوة البصر بوحي من الله تعالى ولولا الوحي لما عرف ذلك، لأن العقل لا يدل عليه ويمكن أن يقال: لعل يوسف عليه السلام علم أن أباه ما صار أعمى إلا أنه من كثرة البكاء وضيق القلب ضعف بصره فإذا ألقي عليه قميصه فلا بد أن ينشرح صدره وأن يحصل في قلبه الفرح الشديد، وذلك يقوي الروح ويزيل الضعف عن القوي، فحينئذ يقوى بصره، ويزول عنه ذلك النقصان، فهذا القدر مما يمكن معرفته بالقلب فإن القوانين الطبية تدل على صحة هذا المعنى، وقوله: * (يأت بصيرا) * أي يصير بصيرا ويشهد له * (فارتد بصيرا) * (يوسف: 96) ويقال: المراد يأت إلي وهو بصير، وإنما أفرده بالذكر تعظيما له، وقال في الباقين: * (وأتوني بأهلكم أجمعين) * قال