المسألة الثالثة: أكثر ما يستعمل * (سلام عليكم) * بغير ألف ولام، وذلك لأنه في معنى الدعاء، فهو مثل قولهم: خير بين يديك.
فإن قيل: كيف جاز جعل النكرة مبتدأ؟
قلنا: النكرة إذا كانت موصوفة جاز جعلها مبتدأ، فإذا قلت سلام عليكم: فالتنكير في هذا الموضع يدل على التمام والكمال، فكأنه قيل: سلام كامل تام عليكم، ونظيره قولنا: سلام عليك، وقوله تعالى: * (قال سلام عليك سأستغفر لك ربي) * (مريم: 47) وقوله: * (سلام قولا من رب رحيم) * (يس: 58) * (سلام على نوح في العالمين) * (الصافات: 79) * (الملائكة يدخلون عليهم من كل باب * سلام عليكم) * (الرعد: 23، 24) فأما قوله تعالى: * (والسلام على من اتبع الهدى) * (طه: 47) فهذا أيضا جائز، والمراد منه الماهية والحقيقة. وأقول: قوله: * (سلام عليكم) * أكمل من قوله: السلام عليكم، لأن التنكير في قوله: * (سلام عليكم) * يفيد الكمال والمبالغة والتمام. وأما لفظ السلام: فإنه لا يفيد إلا الماهية. قال الأخفش: من العرب من يقول: سلام عليكم فيعرى قوله: سلام عن الألف واللام والتنوين، والسبب في ذلك كثرة الاستعمال أباح هذا التخفيف، والله أعلم.
ثم قال تعالى: * (فما لبث أن جاء بعجل حنيذ) * قالوا: مكث إبراهيم خمس عشرة ليلة لا يأتيه ضيف فاغتم لذلك، ثم جاءه الملائكة فرأى أضيافا لم ير مثلهم، فعجل وجاء بعجل حنيذ، فقوله: * (فما لبث أن جاء بعجل حنيذ) * معناه: فما لبت في المجيء به بل عجل فيه، أو التقدير: فما لبث مجيئه والعجل ولد البقرة. أما الحنيذ: فهو الذي يشوى في حفرة من الأرض بالحجارة المحماة، وهو من فعل أهل البادية معروف، وهو محنوذ في الأصل كما قيل: طبيخ ومطبوخ، وقيل: الحنيذ الذي يقطر دسمه. يقال: حنذت الفرس إذا ألقيت عليه الجل حتى تقطر عرقا.
ثم قال تعالى: * (فلما رآى أيديهم لا تصل إليه) * أي إلى العجل، وقال الفراء: إلى الطعام، وهو ذلك العجل * (نكرهم) * أي أنكرهم. يقال: نكره وأنكره واستنكره.
واعلم أن الأضياف إنما امتنعوا من الطعام لأنهم ملائكة والملائكة لا يأكلون ولا يشربون، وإنما أتوه في صورة الأضياف ليكونوا على صفة يحبها، وهو كان مشغوفا بالضيافة. وأما إبراهيم عليه السلام. فنقول: إما أن يقال: إنه عليه السلام ما كان يعلم أنهم ملائكة، بل كان يعتقد فيهم أنهم من البشر، أو يقال: إنه كان عالما بأنهم من الملائكة. أما على الاحتمال الأول فسبب خوفه أمران: أحدهما: أنه كان ينزل في طرف من الأرض بعيد عن الناس، فلما امتنعوا من الأكل خاف أن يريدوا به مكروها، وثانيها: أن من لا يعرف إذا حضر وقدم إليه طعام فإن أكل حصل الأمن وإن لم يأكل حصل الخوف. وأما الاحتمال الثاني: وهو أنه عرف أنهم ملائكة الله تعالى،