والمعنى: بعدما أنعم عليه بالنجاة. الثالث: قرىء * (بعد أمه) * أي بعد نسيان يقال أمه يأمه أمها إذا نسي والصحيح أنها بفتح الميم وذكره أبو عبيدة بسكون الميم، وحاصل الكلام أنه إما أن يكون المراد وادكر بعد مضي الأوقات الكثيرة من الوقت الذي أوصاه يوسف عليه السلام بذكره عند الملك، والمراد وادكر بعد وجدان النعمة عند ذلك الملك أو المراد وادكر بعد النسيان.
فإن قيل: قوله: * (وادكر بعد أمة) * يدل على أن الناسي هو الشرابي وأنتم تقولون الناسي هو يوسف عليه السلام.
قلنا: قال ابن الأنباري: أذكر بمعنى ذكر وأخبر وهذا لا يدل على سبق النسيان فلعل الساقي إنما لم يذكره للملك خوفا من أن يكون ذلك اذكارا لذنبه الذي من أجله حبسه فيزداد الشر ويحتمل أيضا أن يقال: حصل النسيان ليوسف عليه السلام وحصل أيضا لذلك الشرابي. وأما قوله: * (فأرسلون) * خطاب إما للملك والجمع أو للملك وحده على سبيل التعظيم، أما قوله: * (يوسف أيها الصديق) * ففيه محذوف، والتقدير: فأرسل وأتاه وقال أيها الصديق، والصديق هو البالغ في الصدق وصفه بهذه الصفة لأنه لم يجرب عليه كذبا وقيل: لأنه صدق في تعبير رؤياه وهذا يدل على أن من أراد أن يتعلم من رجل شيئا فإنه يجب عليه أن يعظمه، وأن يخاطبه بالألفاظ المشعرة بالإجلال ثم إنه أعاد السؤال بعين اللفظ الذي ذكره الملك ونعم ما فعل، فإن تعبير الرؤيا قد يختلف بسبب اختلاف اللفظ كما هو مذكور في ذلك العلم.
أما قوله تعالى: * (لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون) * فالمراد لعلي أرجع إلى الناس بفتواك لعلهم يعلمون فضلك وعلمك وإنما قال لعلي أرجع إلى الناس بفتواك لأنه رأى عجز سائر المعبرين عن جواب هذه المسألة فخاف أن يعجز هو أيضا عنها، فلهذا السبب قال: * (لعلي أرجع إلى الناس) *.
قوله تعالى * (قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه فى سنبله إلا قليلا مما