عليه لأجل التهنئة، والتقدير: ورفع أبويه على العرش مبالغة في تعظيمهما، وأما الإخوة وسائر الداخلين فخروا له ساجدين.
فإن قالوا: فهذا لا يلائم قوله: * (يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل) *.
قلنا: إن تعبير الرؤيا لا يجب أن يكون مطابقا للرؤيا بحسب الصورة والصفة من كل الوجوه فسجود الكواكب والشمس والقمر، تعبير عن تعظيم الأكابر من الناس له ولا شك أن ذهاب يعقوب مع أولاده من كنعان إلى مصر لأجله في نهاية التعظيم له، فكفى هذا القدر في صحة الرؤيا فأما أن يكون التعبير مساويا لأصل الرؤيا في الصفة والصورة فلم يوجبه أحد من العقلاء.
الوجه الخامس: في الجواب لعل الفعل الدال على التحية والإكرام في ذلك الوقت هو السجود، وكان مقصودهم من السجود تعظيمه، وهذا في غاية البعد لأن المبالغة في التعظيم كانت أليق بيوسف منها بيعقوب، فلو كان الأمر كما قلتم، لكان من الواجب أن يسجد يوسف ليعقوب عليه السلام.
والوجه السادس: فيه أن يقال: لعل إخوته حملتهم الأنفة والاستعلاء على أن لا يسجدوا له على سبيل التواضع، وعلم يعقوب عليه السلام أنهم لو لم يفعلوا ذلك لصار ذلك سببا لثوران الفتن ولظهور الأحقاد القديمة بعد كمونها فهو عليه السلام مع جلالة قدره وعظم حقه بسبب الأبوة والشيخوخة والتقدم في الدين والنبوة والعلم فعل ذلك السجود، حتى تصير مشاهدتهم لذلك سببا لزوال الأنفة والنفرة عن قلوبهم ألا ترى أن السلطان الكبير إذا نصب محتسبا فإذا أراد ترتيبه مكنه في إقامة الحسبة عليه ليصير ذلك سببا في أن لا يبقى في قلب أحد منازعة ذلك المحتسب في إقامة الحسبة فكذا ههنا.
الوجه السابع: لعل الله تعالى أمر يعقوب بتلك السجدة لحكمة خفية لا يعرفها إلا هو كما أنه أمر الملائكة بالسجود لآدم لحكمة لا يعرفها إلا هو، ويوسف ما كان راضيا بذلك في قلبه إلا أنه لما علم أن الله أمره بذلك سكت.
ثم حكى تعالى أن يوسف لما رأى هذه الحالة: * (قال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا) * وفيه بحثان:
البحث الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنه لما رأى سجود أبويه وإخوته هاله ذلك واقشعر جلده منه، وقال ليعقوب هذا تأويل رؤياي من قبل، وأقول: هذا يقوي الجواب السابع كأنه يقول: يا أبت لا يليق بمثلك على جلالتك في العلم والدين والنبوة أن تسجد لولدك إلا أن هذا