واعلم أن جماعة ممن يعبدون الأصنام قالوا نحن لا نقول: إن هذه الأصنام آلهة للعالم بمعنى أنها هي التي خلقت العالم إلا أنا نطلق عليها اسم الإله ونعبدها ونعظمها لاعتقادنا أن الله أمرنا بذلك، فأجاب الله تعالى عنه، فقال أما تسميتها بالآلهة فما أمر الله تعالى بذلك وما أنزل في حصول هذه التسمية حجة ولا برهانا ولا دليلا ولا سلطانا، وليس لغير الله حكم واجب القبول ولا أمر واجب الالتزام بل الحكم والأمر والتكليف ليس إلا له، ثم إنه أمر أن ألا تعبدوا إلا إياه، وذلك لأن العبادة نهاية التعظيم والإجلال فلا تليق إلا بمن حصل منه نهاية الإنعام وهو الإله تعالى لأن منه الخلق والإحياء والعقل والرزق والهداية، ونعم الله كثيرة وجهات إحسانه إلى الخلق غير متناهية ثم إنه تعالى لما بين هذه الأشياء، قال * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) * وتفسيره أن أكثر الخلق يسندون حدوث الحوادث الأرضية إلى الاتصالات الفلكية والمناسبات الكوكبية لأجل أنه تقرر في العقول أن الحادث لا بد له من سبب فإذا رأوا أن تغير أحوال هذا العالم في الحر والبرد والفصول الأربعة، إنما يحصل عند تغير أحوال الشمس في أرباع الفلك ربطوا الفصول الأربعة بحركة الشمس، ثم لما شاهدوا أن أحوال النبات والحيوان مختلفة بحسب اختلاف الفصول الأربعة ربطوا حدوث النبات وتغير أحوال الحيوان باختلاف الفصول الأربعة، فبهذا الطريق غلب على طباع أكثر الخلق أن المدبر لحدوث الحوادث في هذا العالم هو الشمس والقمر وسائر الكواكب، ثم إنه تعالى إذا وفق إنسانا حتى ترقى من هذه الدرجة وعرف أنها في ذواتها وصفاتها مفتقرة إلى موجد ومبدع قاهر قادر عليم حكيم، فذلك الشخص يكون في غاية الندرة، فلهذا قال: * (ولكن أكثر الناس لا يعلمون) *.
قوله عز وجل (يا صاحبي السجن أما أحد كما فيسقى ربه خمرا وأما الآخر فيصلب فتأكل الطير من رأسه قضى الامر الذي فيه تستفتيان) اعلم أنه عليه السلام لما قرر أمر التوحيد والنبوة عاد إلى الجواب عن السؤال الذي ذكراه، والمعنى ظاهر، وذلك لان السابق لما قص رؤياه على يوسف، وقد ذكرنا كيف قص عليه قال له يوسف: ما أحسن ما رأيت. أما حسن العنبة فهو حسن حالك، وأما الأغصان الثلاثة فثلاثة أيام يوجه إليك الملك عند انقضائهن فيردك إلى عملك فتصير كما كنت بل أحسن، وقال للخباز: لما قص