والقراءة الثالثة: قرأ حمزة وابن عامر وحفص: * (وإن كلا لما) * (الفجر: 19) مشددتان، قالوا: وأحسن ما قيل فيه إن أصل لما بالتنوين كقوله: * (أكلا لما) * والمعنى أن كلا ملمومين أي مجموعين كأنه قيل: وإن كلا جميعا.
المسألة الثالثة: سمعت بعض الأفاضل قال: إنه تعالى لما أخبر عن توفية الأجزية على المستحقين في هذه الآية ذكر فيها سبعة أنواع من التوكيدات: أولها: كلمة * (إن) * وهي للتأكيد. وثانيها: كلمة " كل " وهي أيضا للتأكيد. وثالثها: اللام الداخلة على خبر * (إن) * وهي تفيد التأكيد أيضا. ورابعها: حرف * (ما) * إذا جعلناه على قول الفراء موصولا. وخامسها: القسم المضمر، فإن تقدير الكلام وإن جميعهم والله ليوفينهم. وسادسها: اللام الثانية الداخلة على جواب القسم. وسابعها: النون المؤكدة في قوله * (ليوفينهم) * فجميع هذه الألفاظ السبعة الدالة على التوكيد في هذه الكلمة الواحدة تدل على أن أمر الربوبية والعبودية لا يتم إلا بالبعث والقيامة وأمر الحشر والنشر ثم أردفه بقوله: * (إنه بما يعملون خبير) * وهو من أعظم المؤكدات.
قوله تعالى * (فاستقم كمآ أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير * ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أوليآء ثم لا تنصرون) *.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أنه تعلى لما أطنب في شرح الوعد والوعيد قال لرسوله: * (فاستقم كما أمرت) * وهذا الكلمة كلمة جامعة في كل ما يتعلق بالعقائد والأعمال، سواء كان مختصا به أو كان متعلقا بتبليغ الوحي وبيان الشرائع، ولا شك أن البقاء على الاستقامة الحقيقية مشكل جدا وأنا أضرب لذلك مثالا يقرب صعوبة هذا المعنى إلى العقل السليم، وهو أن الخط المستقيم الذي يفصل بين الظل وبين الضوء جزء واحد لا يقبل القسمة في العرض، إلا أن عين ذلك الخط مما لا يتميز في الحس عن طرفيه، فإنه إذا قرب طرف الظل من طرف الضوء اشتبه البعض بالبعض في الحس، فلم يقع الحس على إدراك ذلك الخط بعينه بحيث يتميز عن كل ما سواه.