فإن قيل: حاصل الكلام هو أن هودا عليه السلام قال: لو اشتغلتم بعبادة الله تعالى لانفتحت عليكم أبواب الخيرات الدنيوية، وليس الأمر كذلك، لأنه عليه الصلاة والسلام قال: " خص البلاء بالأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل " فكيف الجمع بينهما، وأيضا فقد جرت عادة القرآن بالترغيب في الطاعات بسبب ترتيب الخيرات الدنيوية والأخروية عليها، فأما الترغيب في الطاعات، لأجل ترتيب الخيرات الدنيوية عليها، فذلك لا يليق بالقرآن بل هو طريق مذكور في التوراة.
الجواب: أنه لما أكثر الترغيب في السعادات الأخروية لم يبعد الترغيب أيضا في خير الدنيا بقدر الكفاية.
وأما قوله: * (ولا تتولوا مجرمين) * فمعناه: لا تعرضوا عني وعما أدعوكم إليه وأرغبكم فيه مجرمين أي مصرين على إجرامكم وآثامكم.
قوله تعالى * (قالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركى ءالهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * إن نقول إلا اعتراك بعض ءالهتنا بسوء قال إنى أشهد الله واشهدوا أنى برىء مما تشركون * من دونه فكيدونى جميعا ثم لا تنظرون * إنى توكلت على الله ربى وربكم ما من دآبة إلا هو ءاخذ بناصيتهآ إن ربى على صراط مستقيم) *.
اعلم أنه تعالى لما حكى عن هود عليه السلام ما ذكره للقوم، حكى أيضا ما ذكره القوم له وهو أشياء: أولها: قولهم: * (ما جئتنا ببينة) * أي بحجة، والبينة سميت بينة لأنها تبين الحق من الباطل، ومن المعلوم أنه عليه السلام كان قد أظهر المعجزات إلا أن القوم بجهلهم أنكروها، وزعموا أنه ما جاء بشيء من المعجزات. وثانيها: قولهم: * (وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك) * وهذا أيضا ركيك، لأنهم