والقول الثاني: أن كلمة " ما " ههنا للاستفهام، والمعنى: لما رأوا أنه رد إليهم بضاعتهم قالوا: ما نبغي بعد هذا، أي أعطانا الطعام، ثم رد علينا ثمن الطعام على أحسن الوجوه، فأي شيء نبغي وراء ذلك؟
واعلم أنا إذا حملنا " ما " على الاستفهام صار التقدير أي شيء نبغي فوق هذا الإكرام إن الرجل رد دراهمنا إلينا فإذا ذهبنا إليه نمير أهلنا ونحفظ أخانا ونزداد كيل بعير بسبب حضور أخينا. قال الأصمعي: يقال ماره يميره ميرا إذا أتاه بميرة أي بطعام ومنه يقال: ما عنده خير ولا مير وقوله: * (ونزداد كيل بعير) * معناه: أن يوسف عليه السلام كان يكيل لكل رجل حمل بعير فإذا حضر أخوه فلا بد وأن يزداد ذلك الحمل، وأما إذا حملنا كلمة " ما " على النفي كان المعنى لا نبغي شيئا آخر هذه بضاعتنا ردت إلينا فهي كافية لثمن الطعام في الذهاب الثاني، ثم نفعل كذا وكذا.
وأما قوله: * (ذلك كيل يسير) * ففيه وجوه: الأول: قال مقاتل: ذلك كيل يسير على هذا الرجل المحسن لسخائه وحرصه على البذل وهو اختيار الزجاج. والثاني:
ذلك كيل يسير، أي قصير المدة ليس سبيل مثله أن تطول مدته بسبب الحبس والتأخير. والثالث: أن يكون المراد ذلك الذي يدفع إلينا دون أخينا شيء يسير قليل فابعث أخانا معنا حتى نتبدل تلك القلة بالكثرة.
قوله تعالى * (قال لن أرسله معكم حتى تؤتون موثقا من الله لتأتننى به إلا أن يحاط بكم فلمآ ءاتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل) *.
اعلم أن الموثق مصدر بمعنى الثقة ومعناه: العهد الذي يوثق به فهو مصدر بمعنى المفعول يقول: لن أرسله معكم حتى تعطوني عهدا موثوقا به وقوله: * (من الله) * أي عهدا موثوقا به بسبب تأكده بإشهاد الله وبسبب القسم بالله عليه، وقوله: * (لتأتنني به) * دخلت اللام ههنا لأجل أنا بينا أن المراد بالموثق من الله اليمين فتقديره: حتى تحلفوا بالله لتأتنني به. وقوله: * (إلا أن يحاط بكم) * فيه بحثان:
البحث الأول: قال صاحب " الكشاف ": هذا الاستثناء متصل. فقوله: * (إلا أن يحاط بكم) * مفعوله له، والكلام المثبت الذي هو قوله: * (لتأتنني به) * في تأويل المنفي، فكان المعنى: لا تمتنعون