جعلهم في الدنيا أنبياء وملوكا ونقلهم عنها إلى الدرجات العلى في الجنة.
واعلم أن القول الصحيح هو الأول، لأن النعمة التامة في حق البشر ليست إلا النبوة، وكل ما سواها فهي ناقصة بالنسبة إليها، ثم إنه عليه السلام لما وعده بهذه الدرجات الثلاثة ختم الكلام بقوله: * (إن ربك عليم حكيم) * فقوله: * (عليم) * إشارة إلى قوله: * (الله أعلم حيث يجعل رسالته) * (الأنعام: 124) وقوله: * (حكيم) * إشارة إلى أن الله تعالى مقدس عن السفه والعبث، لا يضع النبوة إلا في نفس قدسية وجوهرة مشرقة علوية.
فإن قيل: هذه البشارات التي ذكرها يعقوب عليه السلام هل كان قاطعا بصحتها أم لا؟ فإن كان قاطعا بصحتها، فكيف حزن على يوسف عليه السلام، وكيف جاز أن يشتبه عليه أن الذئب أكله، وكيف خاف عليه من إخوته أن يهلكوه، وكيف قال لإخوته وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون، مع علمه بأن الله سبحانه سيجتبيه ويجعله رسولا، فأما إذا قلنا إنه عليه السلام ما كان عالما بصحة هذه الأحوال، فكيف قطع بها؟ وكيف حكم بوقوعها حكما جازما من غير تردد؟.
قلنا: لا يبعد أن يكون قوله: * (وكذلك يجتبيك ربك) * مشروطا بأن لا يكيدوه، لأن ذكر ذلك قد تقدم، وأيضا فبتقدير أن يقال: إنه عليه السلام كان قاطعا بأن يوسف عليه السلام سيصل إلى هذه المناصب إلا أنه لا يمتنع أن يقع في المضايق الشديدة ثم يتخلص منها ويصل إلى تلك المناصب فكان خوفه لهذا السبب ويكون معنى قوله: * (وأخاف أن يأكله الذئب) * (يوسف: 13) الزجر عن التهاون في حفظه وإن كان يعلم أن الذئب لا يصل إليه.
* (لقد كان فى يوسف وإخوته ءايات للسآئلين * إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفى ضلال مبين) *.
في هذه الآية مسائل:
المسألة الأولى: ذكر صاحب " الكشاف " أسماء إخوة يوسف: يهودا، روبيل، شمعون لاوي، ربالون، يشجر، دينة، دان، نفتالي، جاد، آشر. ثم قال: السبعة الأولون من ليا بنت