فالمراد أن الأمواج لما أحاطت بالسفينة من الجوانب، شبهت تلك السفينة بما إذا جرت في داخل تلك الأمواج.
ثم حكى الله تعالى عنه أنه نادى ابنه، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اختلفوا في أنه كان ابنا له، وفيه أقوال:
القول الأول: أنه ابنه في الحقيقة، والدليل عليه: أنه تعالى نص عليه فقال: * (ونادى نوح ابنه) * ونوح أيضا نص عليه فقال: * (يا بني) * وصرف هذا اللفظ إلى أنه رباه، فأطلق عليه اسم الابن لهذا السبب صرف للكلام عن حقيقته إلى مجازه من غير ضرورة وأنه لا يجوز، والذين خالفوا هذا الظاهر إنما خالفوه لأنهم استبعدوا أن يكون ولد الرسول المعصوم كافرا، وهذا بعيد، فإنه ثبت أن والد رسولنا صلى الله عليه وسلم كان كافرا، ووالد إبراهيم عليه السلام كان كافرا بنص القرآن، فكذلك ههنا، ثم القائلون بهذا القول اختلفوا في أنه عليه السلام لما قال: * (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) * (نوح: 26) فكيف ناداه مع كفره؟
فأجابوا عنه من وجوه: الأول: أنه كان ينافق أباه فظن نوح أنه مؤمن فلذلك ناداه ولولا ذلك لما أحب نجاته. والثاني: أنه عليه السلام كان يعلم أنه كافر، لكنه ظن أنه لما شاهد الغرق والأهوال العظيمة فإنه يقبل الإيمان فصار قوله: * (يا بني اركب معنا) * كالدلالة على أنه طلب منه الإيمان وتأكد هذا بقوله: * (ولا تكن مع الكافرين) * أي تابعهم في الكفر واركب معنا. والثالث: أن شفقة الأبوة لعلها حملته على ذلك النداء، والذي تقدم من قوله: * (إلا من سبق عليه القول) * كان كالمجمل فلعله عليه السلام جوز أن لا يكون هو داخلا فيه.
القول الثاني: أنه كان ابن امرأته وهو قول محمد بن علي الباقر وقول الحسن البصري ويروى أن عليا رضي الله عنه قرأ * (ونادى نوح ابنها) * والضمير لامرأته. وقرأ محمد بن علي وعروة بن الزبير * (ابنه) * بفتح الهاء يريد أن ابنها إلا أنهما اكتفيا بالفتحة عن الألف، وقال قتادة سألت الحسن عنه فقال: والله ما كان ابنه فقلت: إن الله حكى عنه أنه قال: * (إن ابني من أهلي) * وأنت تقول: ما كان ابنا له، فقال: لم يقل: إنه مني ولكنه قال من أهلي وهذا يدل على قولي.
القول الثالث: أنه ولد على فراشه لغير رشدة، والقائلون بهذا القول احتجوا بقوله تعالى في امرأة نوح وامرأة لوط فخانتاهما وهذا قول خبيث يجب صون منصب الأنبياء عن هذه الفضيحة لا سيما وهو على خلاف نص القرآن. أما قوله تعالى * (فخانتاهما) * فليس فيه أن تلك الخيانة إنما حصلت بالسبب الذي ذكروه. قبل لابن عباس رضي الله عنهما: ما كانت تلك الخيانة، فقال: