كانت امرأة نوح تقول: زوجي مجنون، وامرأة لوط تدل الناس على ضيفه إذا نزلوا به. ثم الدليل القاطع على فساد هذا المذهب قوله تعالى: * (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات) * (النور: 26) وأيضا قوله تعالى: * (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) * (النور: 3) وبالجملة فقد دللنا على أن الحق هو مقول الأول.
وأما قوله: * (وكان في معزل) * فاعلم أن المعزل في اللغة معناه: موضع منقطع عن غيره، وأصله من العزل، وهو التنحية والإبعاد. تقول: كنت بمعزل عن كذا، أي بموضع قد عزل منه.
واعلم أن قوله: * (وكان في معزل) * لا يدل على أنه في معزل من أي شيء فلهذا السبب ذكروا وجوها: الأول: أنه كان في معزل من السفينة لأنه كان يظن أن الجبل يمنعه من الغرق: الثاني: أنه كان في معزل عن أبيه وإخوته وقومه: الثالث: أنه كان في معزل من الكفار كأنه انفرد عنهم فظن نوح عليه السلام أن ذلك إنما كان لأنه أحب مفارقتهم.
أما قوله: * (يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين) * فنقول: قرأ حفص عن عاصم * (يا بني) * بفتح الياء في جميع القرآن والباقون بالكسر. قال أبو علي: الوجه الكسر وذلك أن اللام من ابن ياء أو واو فإذا صغرت ألحقت ياء التحقير، فلزم أن ترد اللام المحذوفة وإلا لزم أن تحرك ياء التحقير بحركات الإعراب لكنها لا تحرك لأنها لو حركت لزم أن تنقلب كما تنقلب سائر حروف المد واللين إذا كانت حروف إعراب، نحو عصا وقفا ولو انقلبت بطلت دلالتها على التحقير ثم أضفت إلى نفسك اجتمعت ثلاث آيات. الأولى: منها للتحقير. والثانية: لام الفعل. والثالثة: التي للإضافة تقول: هذا بني فإذا ناديته صار فيه وجهان: إثبات الياء وحذفها والاختيار حذف الياء التي للإضافة وإبقاء الكسرة دلالة عليه نحو يا غلام ومن قرأ * (يا بني) * بفتح الياء فإنه أراد الإضافة أيضا كما أرادها من قرأ بالكسر لكنه أبدل من الكسرة الفتحة ومن الياء الألف تخفيفا فصار يا بنيا كما قال: يا ابنة عما لا تلومي واهجعي ثم حذف الألف للتخفيف.
واعلم أنه تعالى لما حكى عن نوح عليه السلام أنه دعاه إلى أن يركب السفينة حكى عن ابنه أنه قال: * (سآوي إلى جبل يعصمني من الماء) * وهذا يدل على أن الابن كان متماديا في الكفر مصرا عليه مكذبا لأبيه فيما أخبر عنه فعند هذا قال نوح عليه السلام: * (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) * وفيه سؤال، وهو أن الذي رحمه الله معصوم، فكيف يحسن استثناء المعصوم من العاصم وهو قوله: * (لا عاصم اليوم من أمر الله) * وذكروا في الجواب طرقا كثيرة.