ومنها أنهم كانوا ينكرون نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقدحون في معجزاته، وقد أبطل الله تعالى بقوله: * (أفمن كان على بينة من ربه) * (محمد: 14) ومنها أنهم كانوا يزعمون في الأصنام أنها شفعاؤهم عند الله، وقد أبطل الله تعالى ذلك بهذه الآية، وذلك لأن هذا الكلام افتراء على الله تعالى، فلما بين وعيد المفترين على الله، فقد دخل فيه هذا الكلام.
واعلم أن قوله: * (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا) * إنما يورد في معرض المبالغة. وفيه دلالة على أن الافتراء على الله تعالى أعظم أنواع الظلم.
ثم إنه تعالى بين وعيد هؤلاء بقوله: * (أولئك يعرضون على ربهم) * وما وصفهم بذلك لأنهم مختصون بذلك العرض، لأن العرض عام في كل العباد كما قال: * (وعرضوا على ربك صفا) * (الكهف: 48) وإنما أراد به أنهم يعرضون فيفتضحون بأن يقول الأشهاد عند عرضهم * (هؤلاء الذين كذبوا على ربهم) * فحصل لهم من الخزي والنكال مالا مزيد عليه، وفيه سؤالات:
السؤال الأول: إذا لم يجز أن يكون الله تعالى في مكان، فكيف قال: * (يعرضون على ربهم) * والجواب: أنهم يعرضون على الأماكن المعدة للحساب والسؤال، ويجوز أيضا أن يكون ذلك عرضا على من شاء الله من الخلق بأمر الله من الملائكة والأنبياء والمؤمنين.
السؤال الثاني: من الأشهاد الذين أضيف إليهم هذا القول؟
الجواب قال مجاهد: هم الملائكة الذين كانوا يحفظون أعمالهم عليهم في الدنيا. وقال قتادة ومقاتل: * (الأشهاد) * الناس كما يقال على رؤوس الأشهاد، يعني على رؤوس الناس. وقال الآخرون: هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. قال الله تعالى: * (فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين) * (الأعراف: 6) والفائدة في اعتبار قول الأشهاد المبالغة في إظهار الفضيحة.
السؤال الثالث: الأشهاد جمع فما واحده؟
والجواب: يجوز أن يكون جمع شاهد مثل صاحب وأصحاب، وناصر وأنصار، ويجوز أن يكون جمع شهيد مثل شريف وأشراف. قال أبو علي الفارسي: وهذا كأنه أرجح، لأن ما جاء من ذلك في التنزيل جاء على فعيل، كقوله: * (ويكون الرسول عليكم شهيدا) * (البقرة: 143) * (جئنا بك على هؤلاء شهيدا) * (النساء:
41) ثم لما أخبر عن حالهم في عذاب القيامة أخبر عن حالهم في الحال فقال: * (ألا لعنة الله على الظالمين) * وبين أنهم في الحال لملعونون من عند الله، ثم ذكر من صفاتهم أنهم يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا يعني أنهم كما ظلموا أنفسهم بالتزام الكفر والضلال، فقد أضافوا إليه المنع من الدين الحق وإلقاء الشبهات، وتعويج الدلائل المستقيمة، لأنه لا يقال في العاصي يبغي